وقع بين يدي كتاب بعنوان «عجائب المقدور في أخبار تيمور» مؤلفه أبو محمد أحمد بن محمد، المعروف بابن عربشاه (المتوفى: ٨٥٤هـ)
يحكي فيه طرفاً من أخبار تيمورلنك، وقد عاصره وخاطبه.
يقول المصنف في ص١٩١: “وحضر صلاة المغرب وأقيمت الصلاة وأمنا عبد الجبار وصلى تمرلنك إلى جانبي قائماً يركع ويسجد ثم تفرقنا وفي اليوم الثاني غدر بكل من في القلعة وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والأقمشة والأمتعة ما لا يحصى أخبرني بعض كتابه أنه لم يكن أخذ من مدينة قط ما أخذ من هذه القلعة، وعوقب غالب المسلمين بأنواع من العقوبة، وحبسوا بالقلعة ما بين مقيد ومزنجر ومسجون ومرسم عليه ونزل تمرلنك من القلعة وأقام بدار النيابة، وصنع وليمة على زي المغل، ووقف سائر الملوك والنواب في خدمته وأدار عليهم كؤوس الخمر، والمسلمون في عقاب وعذاب وسبي وقتل وأسر، وجوامعهم ومدارسهم وبيوتهم في هدم وحرق وتخريب ونبش إلى آخر شهر ربيع الأول، ثم طلبني ورفيقي شرف الدين
وأعاد السؤال عن علي ومعاوية، فقلت له لا شك أن الحق كان مع علي وليس معاوية من الخلفاء، فإنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة وقد تمت بعلي، فقال تمرلنك قل علي على حق ومعاوية ظالم، قلت قال صاحب الهداية يجوز تقليد القضاء من ولاة الجور، فإن كثيراً من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية، وكان الحق مع علي في نوبته، فانسر لذلك وطلب الأمراء الذين عينهم للإقامة بحلب“.
أقول: عجيب حال تيمورلنك، يغدر بالناس ويقيم المجازر ويقيم مجالس الخمر، ثم يخوض فيما وقع بين الصحابة ويصف معاوية بـ(الظلم)!
وحاله هذا يشبه حال كثيرين في زماننا من الروافض وغيرهم، تراهم والغين في الدماء المحرمة أو معينين للوالغين فيها، أو معظّمين لملوك طغاة كان هجيرهم قتل إخوانهم، ثم تراهم يتحدثون عن جور بني أمية باستمرار، آخذين الكل بخطيئة البعض، ومصدقين لكل كذبة تمر عليهم من شدة ما بهم من التحامل.
وقال المصنف في ص٢١٩: “فابتدر الجواب القاضي شمس الدين النابلسي الحنبلي، وقال درجة العلم أعلى من درجة النسب، ومرتبتها عند الخالق والمخلوق أسنى الرتب، والهجين الفاضل يقدم على الهجان الجاهل، والمقرف المنيف، أولى للإقامة من النسيب الشريف، والدليل في هذا جلي، وهو إجماع الصحابة في تقديم أبي بكر على علي، وقد أجمعوا أن أبا بكر أعلمهم، وأثبتهم قدماً في الإسلام وأقدمهم، وإثبات هذه الدلالة، من قول صاحب الرسالة لا تجتمع أمتي على ضلالة
ثم أخذ في نزع ثيابه، مصيخاً لتيمور وما يصدر من جوابه، ففكك أزراره، وقال لنفسه إنما أنت عاره، وكأس الموت لابد من شربها، فسواء ما بين بعدها وقربها، والموت على الشهادة، من أفضل العبادة، وأحسن أحوالها لمن اعتقد أنه إلى الله صائر، كلمة حق عند سلطان جائر، فسأل ما يفعل، هذا المهمل، فقال يا مولانا الجليل، إن فرق عساكرك كأمم بني إسرائيل، وفيهم من ابتدعوا بدعا وتقطعوا في مذاهبهم قطعا، وفرقوا دينهم وكانوا شيعا، ولا شك أن مجالس حضرتك تنقل، وعقائل مباحثها تحل الصدور فتعقل، وإذا ثبت هذا الكلام عني، ووعاه أحد غير سني، خصوصاً من ادعى موالاة علي، وتسمى في رفضه أبا بكر بالرافضي، وتحقق مني يقيني، وأنه لا ناصر لي يقيني، فإنه يقتلني جهارا، ويريق دمي نهارا، وإذا كان كذلك فأنا أستعد لهذه السعادة، وأختم أحكام القضاء بالشهادة، فقال لله هذا! ما أفصحه! وأجرأه في الكلام وأوقحه، ثم نظر إلى القوم، وقال لا تدخلن هذا علي بعد اليوم“.
شمس الدين النابلسي الحنبلي تكلم أمام تيمور بما يخالف التشيع الذي كان يميل إليه، ومن شدة ما وجد من ذلك ظن نفسه هالكاً، وخلع قميصه استعداداً للقتل، ولما لم يبادر تيمور بقتله طلب منه الأمان من جيشه، ففيهم الروافض الذين إذا رأوا من يثني على أبي بكر -رضي الله عنه- قتلوه، فأُعجِب تيمور بفصاحته وقال: لا يدخلن هذا علي مرة أخرى.
والشمس المذكور هنا يغلب على ظني أنه المترجم له في «تسهيل السابلة» حيث قال صاحبها: “2336 – (ت 881 هـ): محمد بن عَبْد القَادر بن محمد بن عبد القادِر بن عُثمان بن عبد الرحمن بن عبد المُنْعِم، بدرُ الدَّين بن شرف الدَّين بن شمس الدَّين، الجَعْفَرِيُّ المقدسي النَّابُلُسِيُّ الحَنْبَليُّ، المعروف بابن عبد القَادِر.
ذكره السَّخَاويُّ في “الضوء” وقال: ولد سنةَ إحدى وتسعين وسَبْع مئة بنَابُلُس ونشأ بها، فحفظ “الخِرَقيَّ”، وأخذ عن بلديَّه التقي الْمُفتي أبي بكر بن علي، وسَمِع عليه وعلى القَبَّانيَّ والتَّدْمُرِيَّ وغيرهم، وقَدِم القَاهِرة مِرارًا, فأخذ في سنةِ إحدى وأربعين وثمان مئة عن المُحِبَّ بن نصر الله في الفِقْه وغيره، ونَابَ عنه وعن البَدْر البَغْداديَّ بها، ثم ولَّاه النظَّام بن مفلح، سنةَ ثلاثٍ وأربعين وثمان مئة قضاءَ نَابُلُس حين كان أمرها لقضاة الشَّام، مَعَ كَوْنِ قُضاة الحَنَابلة بها، واستمرَّ على قضاء بلده دَهْرًا، وانفصل في أثنائه قليلًا، ثم أضِيْفَ إليه قَضَاء القُدس وقْتًا، وقضاء الرَّمْلَة، ولما كبر أعرض عن القضاء لأولاده، وأقْبَل على ما يُهِمُّه، وحَجَّ أربع مَرَّاتٍ، ومات في يوم الخميس، سادس عَشَر رمضان، سنة إحدى وثمانين وثمان مئة انتهى“.