في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدَّق، أخفى حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينُه» [متفق عليه].
لم يعلِّق الفضل العظيم على قدر الصدقة فيقول: (من تصدق بألف دينار) مثلاً.
ولم يعلِّقه بعظيم أثرها فيقول: (من تصدق على إنسان في مخمصة فأخرجه من مقاربة الموت إلى الحياة).
وهذان أمران يتعلق بهما الفضل في نصوص أخرى؛ ولكن في هذا النص علَّق الفضل على الإخفاء، الدال على قوة الإخلاص فحسب.
يعني وإن كانت الصدقة قليلة -على أن الناس يراءون بالمستكثَر في الغالب- وإن كان أثرها ليس بذاك؛ لكن قوة الإخلاص جعلت الثواب يبلغ ما بلغ، فحقُّ الله عز وجل فوق كل شيء.
قال تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين}.
وفي الصحيحين والمسند واللفظ له: «إن العبد إذا تصدق من طيِّب، تقبَّلها الله منه، وأخذها بيمينه، وربَّاها كما يُربِّي أحدكم مهرَه أو فصيلَه، وإن الرجل ليتصدق باللقمة، فتربو في يد الله -أو قال: في كف الله- حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا».
فهذه صدقة قليلة «لقمة» عظَّمها الإخلاص (حق الله) حتى صارت مثل الجبل أو أعظم، كما في رواية أخرى.
هذا معنى يدركه أهل الإيمان ويغفل عنه غيرهم، فتأمَّله.