قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومَن حوله يسَّبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسِعْتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتَّبعوا سبيلك وقِهِم عذاب الجحيم}
تأمَّل قول حملة العرش {وسِعْتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً} وما تحته من المعاني.
الملوك في الأرض حجَّابهم هم أقرب الناس إليهم والأقرب إلى نوالهم ونفعهم.
وأما رب العالمين فحملة العرش أقرب الخلق إليه بعد عرشه يقولون: {وسِعْت كلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً} يعني أنه مع عُلوه على خلقه عليم بهم، القريب منه كالبعيد يعلم بسرِّهم ونجواهم.
وكذلك يقولون (رحمةً) فليسوا أولى برحمته من غيرهم لقُربهم، وعادةً الملوك تنقص رحمتهم بسبب نقص علمهم بحاجات الرعية، وأما رب العالمين فبكلِّ شيءٍ عليم.
وهذا يقطع دابر الشرك، فأي معبود من دون الله وسِع كل شيء رحمة وعلماً.
ولذلك جاء التنصيص في القرآن على عدم علم الأنبياء بالغيب ليقطع دابر الشرك بهم، فذكر لنا من حال سليمان مع الهدهد، وحال إبراهيم مع الأضياف، وحال نوح مع ابنه، وحال موسى مع الخضر وغيرها، ما يدلنا على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يعلمون الغيب فكيف يعلم من هم دونهم من أولياء وأهل بيت بذلك؟
وإذا كانوا لا يعلمون الغيب فكيف يُدعون من دون الله وهم غائبون عنا، فعلمهم بأحوالنا من باب الغيب الذي الأصل فيهم عدم معرفته.
وكذلك الذين يدفعون الحُكم بشريعة الله عز وجل تراهم يظنون أن عندهم من العلم ما ليس في الشريعة لهذا يرددون جهلاً حديثاً فهموه على غير وجهه «أنتم أعلم بأمور دنياكم» فكأنهم يظنون أنهم أعلم من الله الذي جاءتنا الشريعة من لدنه.
ومنهم من يظن أنه أرحم من الله عز وجل، فيظن أن الحقوق تُحفظ بغير الشرع، وأن التعاطي الشرعي مع المجرمين فيه قسوة، فكأنه يظن نفسه أرحم من الله.
والحق أن رحمتهم تجرَّدت عن العلم فكانت ضارة، وأما رحمة رب العالمين فاقترنت بعلمه فجاء نتاجها على الكمال، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.