فكيف لو رأى القرطبي زماننا ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال القرطبي في تفسيره (3/255):

“.. قوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}
الفئة: الجماعة من الناس والقطعة منهم، من فأوت رأسه بالسيف وفأيته أي قطعته. وفى قولهم
رضى الله عنهم: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} الآية، تحريض على القتال واستشعار للصبر
واقتداء بمن صدق ربه.

 قلت: هكذا يجب علينا نحن أن نفعل؟
لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة منعت من ذلك حتى ينكسر العدد الكبير منا قدام
اليسير من العدو كما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا!

وفى البخاري: وقال أبو الدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم. وفية مسند أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم).

 فالأعمال فاسدة والضعفاء مهملون
والصبر قليل والاعتماد ضعيف والتقوى زائلة!.

 قال الله تعالى: {اصْبِرُوا وَصابِرُوا
وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ}، وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا}، وقال: {إِنَّ
اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} وقال: {إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

فهذه أسباب النصر وشروطه وهى معدومة عندنا غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا
إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا!

 بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره،
ولا من الدين إلا رسمه لظهور الفساد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد حتى استولى العدو شرقا
وغربا برا وبحرا، وعمت الفتن وعظمت المحن ولا عاصم إلا من رحم.”

أقول : هذا قبل ظهور ما ظهر في عصرنا ، قبل ظهور الديمقراطية بثمانية قرون
، قبل ظهور « الدولة المدنية » و « الدولة العلمانية » وتفشي القبورية والخرافات والعقلانية
الجامحة

 فنحن أولى من القرطبي بقول « بل
لم يبق من الإسلام إلا ذكره، ولا من الدين إلا رسمه لظهور الفساد ولكثرة الطغيان وقلة
الرشاد حتى استولى العدو شرقا وغربا برا وبحرا، وعمت الفتن وعظمت المحن ولا عاصم إلا
من رحم ».

مع التحفظ على قوله « بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره » إذ لا تزال طائفة
من أهل الإسلام على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم كما ورد في الحديث ، والقرطبي سار على منهج الجهمية الأشعرية والسني أولى منه بالتحسر والله المستعان

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 11/645): « وَإِذَا كَانَ فِي
الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ وَكَانَ عَدُوُّهُمْ مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ
بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ ؛ إمَّا لِتَفْرِيطِهِمْ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ
بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَإِمَّا لِعُدْوَانِهِمْ بِتَعَدِّي الْحُدُودِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا
.

 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {إنَّ
الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ
الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} وَقَالَ تَعَالَى : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ
مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى : {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللَّهَ
لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}،{الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}».

وقال الأوزاعي كما في تقدمة الجرح والتعديل في رسالته المشجية إلى الخليفة
المهدي (1/202) : « كانت عام أول في دار الاسلام وموطا حريمهم واستنزالهم نساء المسلمين
وذراريهم من معاقلهم بقاليقلا

لا يلقاهم من المسلمين لهم ناصر ولا عنهم مدافع كان بما قدمت ايدي الناس
وما يعفو الله عنه بخطاياهم [ ]

وبذنوبهم استخرجت العواتق من خدورهن ».

ولا أقوى على إكمال بقية الرسالة ، فهذا هو الداء كما شخصه الأطباء العارفون
وعلاجه بالعودة إلى الله وترك الشرك والبدع والمعاصي والله المستعان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم