جاء في «العقد الفريد» لابن عبد ربه [1/252]: “ومن جوده أيضا ما حكاه الأصمعي، قال: كان سعيد بن العاص يسمر معه سماره إلى أن ينقضي حين من الليل، فانصرف عنه القوم ليلة ورجل قاعد لم يقم، فأمر سعيد بإطفاء الشمعة وقال: حاجتك يا فتى؟ فذكر أنّ عليه دينا أربعة آلاف درهم.
فأمر له بها، وكان إطفاؤه للشمعة أكثر من عطائه”.
أقول: سعيد بن العاص سيد من سادة الأمويين الكرماء، وقد نشأ في كنف عثمان، وهذا أثر منقطع، ولكنها أخبار سير يتسامح في شأنها.
وسعيد اشتهر بالجود، وكان الناس يقصدونه في حاجاتهم.
وهنا قصة أنه لما أدرك أن الفتى سيسأله مالاً أطفأ الشمعة، ليحفظ ماء وجهه مراعياً حياءه.
يعلق الأصمعي على القصة بقوله: “وكان إطفاؤه للشمعة أكثر من عطائه” يعني مراعاته لكرامةِ وماءِ وجه الرجل أعظم في الإحسان من عطية المال.
فإن كثيراً من الناس يعطون المال ويسلبون الكرامة.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة].
والكرام حقاً هم من إذا أعطوا مالاً لم يسلبوا شيئاً آخر.
بل يراعون أن تكون عطيتهم صافية خالصة، بل ويعطون من المواساة والمراعاة بنحو مما يعطون من المال.