فخ دعوى تعظيم العلماء

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذا كلام لامرأة عندها محفل تربوي، هي مثال لمن وقع في فخ دعوى (تعظيم العلماء) دون أي دراسة للعقيدة، مع الإلزامات اللوذعية التي يتكلم بها البعض.

تقول (الأشاعرة على مذهب السلف) ثم تقول: إنهم لا يكفرون، من كان على مذهب السلف ينبغي ألا يكون مبتدعاً حتى.

ثم تذكر من سلفيتهم أنهم ينزهون الله بتأويل اليد بالقدرة.

قال الترمذي في «جامعه»: “وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد هاهنا القوة”.

فهذا قول الجهمية عند السلف، وعدَّه الدارمي من البدع المكفرة.

وقال الباقلاني -الذي ذكَرَته ولا تعرف مذهبه- في «التمهيد» صـ286 وهو يتكلم عن فضائح المعتزلة: “وزعموا جميعا أنه لا وجه لله تعالى مع قوله عز وجل {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وأنه لا يد له مع قوله عز وجل {بل يداه مبسوطتان} وقوله تعالى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}”.

وأما قول إن هذا الاعتقاد ليس كفراً وإن من يُكفِّر به هم سفهاء الأحلام:

قال الغزالي في «فيصل التفرقة» صـ27: “فالحنبلي يكفر الأشعري زاعماً أنه كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات الفوق لله والاستواء لله، والأشعري يكفره زاعماً أنه مشبه”.

وقال أبو إسماعيل الهروي في «ذم الكلام»: “1296- سمعت أحمد بن حمزة يقول: لما اشتد الهجران بين النهاوندي وأبي الفوارس سألوا أبا عبد الله الدينوري؛ فقال: لقيت ألف شيخ على ما عليه النهاوندي” يعني تكفير الأشعرية كما في الأثر السابق له في الكتاب.

وقد نقل ابن تيمية هذا الكلام مقراً له في «الاستقامة»، وابن تيمية نفسه يعتبر كلام القوم كفراً، ففي نصه المشهور الذي يستدل به من يعذر جهالهم يقول لهم: لو قلت بقولكم لكفرت.

فهو يعتبر القول كفراً.

وحتى ابن الجوزي -وهو ليس أشعرياً- لمَّا تأثر شيخه ابن عقيل ببعض مقالات القوم كفَّره غالب شيوخ الحنابلة، كما ذكره ابن قدامة في رده عليه.

وهذا البخاري صاحب الصحيح كفَّر الجهمية منكري العلو في «خلق أفعال العباد»، حتى إن المزي تلميذ ابن تيمية لمَّا قرأ كلامه غضب الأشعرية وقالوا نحن المقصودون، فهذا من سفهاء الأحلام أيضاً.

وذكر ابن البناء الحنبلي في «المختار» أن الإمام أحمد كفَّر ابن كلاب بقوله بإنكار الصوت والكلام النفسي (قول الأشاعرة)، فمن عدَّ هذا سفهاً فهو السفيه.

وأما الإلزام اللوذعي بتكفير عوام المسلمين فهذا استفادته الكاتبة من بعض دكاترة العقيدة، الذين إذا حصرت صدورهم بآثار السلف لم يجدوا لها محملاً سوى أن ينزلوها على العلماء المتأخرين، ولا يدرون أنهم بذلك يسبُّون القوم.

عامة الناس لا يدرون ما اعتقاد الأشاعرة ويخالفونه بفطرتهم، كما اعترف بذلك الغزالي والعز بن عبد السلام، والجهمية الذين تفرع عنهم الأشعرية كان السلف يعذرون الجاهل والعامي إن لم يكفِّرهم.

جاء في عقيدة الرازيين: “ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة. ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر”.

يعني يفهم العلم وليس من العوام، كما نبه عليه ابن منيع وذكر البقالين والنساء والأطفال في مسألة الوقف التي هي أظهر من تكفير الجهمية، كما في «الحجة في بيان المحجة».

ومن اعتبر القول كفراً ثم عذر الجهال لا يقال عنه (غير مكفِّر)، ومن نسب تكفيره لنا فهو كاذب، وما أكثر الكذب.

وتكفير العوام هو ما قال الشيرازي في «شرح اللمع» -وهو إمام كبير عندهم- أن من لم يكن أشعرياً فهو كافر (وعامة الناس ليسوا كذلك).

ومما ضيَّع الآلاف وأدخلهم فيما دخلت به هذه المرأة أنهم تلقوا تعظيم الأسماء قبل تعلم العقيدة، فضعف الأمر في نفوسهم، وهذا مما جناه كثير من المنتسبين للسلفية على عقيدتهم التي منَّ الله بها عليهم، فما أحسنوا شكر النعمة.