قال الإمام محمد بن عبد الوهاب كما في الدرر السنية (2/74) :” إذا
أمر الله العبد بأمر، وجب عليه فيه سبع مراتب: الأولى: العلم به; الثانية: محبته; الثالثة:
العزم على الفعل; الرابعة: العمل; الخامسة: كونه يقع على المشروع خالصا صوابا; السادسة:
التحذير من فعل ما يحبطه; السابعة: الثبات عليه.
إذا عرف الإنسان أن الله أمر بالتوحيد، ونهى عن الشرك; أو عرف أن الله
أحل البيع، وحرم الربا; أو عرف أن الله حرم أكل مال اليتيم، وأحل لوليه أن يأكل بالمعروف
إن كان فقيرا، وجب عليه أن يعلم المأمور به، ويسأل عنه إلى أن يعرفه، ويعلم المنهي
عنه، ويسأل عنه إلى أن يعرفه.
واعتبر ذلك بالمسألة الأولى، وهي: مسألة التوحيد، والشرك.
أكثر الناس علم أن التوحيد حق، والشرك باطل، ولكن أعرض عنه ولم يسأل،
وعرف أن الله حرم الربا، وباع واشترى ولم يسأل، وعرف تحريم أكل مال اليتيم، وجواز الأكل
بالمعروف، ويتولى، مال اليتيم ولم يسأل.
المرتبة الثانية: محبة ما أنزل الله، وكفر من كرهه، لقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} . فأكثر الناس لم يحب الرسول، بل أبغضه، وأبغض ما
جاء به ولو عرف أن الله أنزله.
المرتبة الثالثة: العزم على الفعل; وكثير من الناس عرف وأحب، ولكن لم يعزم، خوفا من تغير دنياه.
المرتبة الرابعة: العمل، وكثير من الناس إذا عزم أو عمل وتبين عليه من يعظمه من شيوخ أو غيرهم ترك العمل.
المرتبة الخامسة: أن كثيرا ممن عمل، لا يقع خالصا، فإن وقع خالصا، لم يقع
صوابا.
المرتبة السادسة: أن الصالحين يخافون من حبوط العمل، لقوله تعالى: {أَنْ
تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} وهذا من أقل الأشياء في زماننا.
المرتبة السابعة: الثبات على الحق، والخوف من سوء الخاتمة، لقوله صلى الله
عليه وسلم: ” إن منكم من يعمل بعمل أهل الجنة، ويختم له بعمل أهل النار
“، وهذه أيضا: من أعظم ما يخاف
منه الصالحون; وهي قليل في زماننا، فالتفكر
في حال الذي تعرف من الناس، في هذا وغيره، يدلك على شيء كثير تجهله، والله أعلم”
هذه الكلمات النافعة للإمام المجدد مما يجدر أن يعنى بمدارسته بين طلبة
العلم خصوصاً في هذه الأيام
ومما قاله الإمام في هذا السياق كما في الدرر السنية (1/124) :”
أن الرسول صلى الله عليه وسلم
فرض الإيمان بما جاء به كله، لا تفريق فيه؛ فمن آمن ببعض، وكفر ببعض
فهو كافر حقا، بل لابد من الإيمان
بالكتاب كله.
فإذا عرفت أن من الناس من يصلي
ويصوم، ويترك كثيرا من المحرمات، لكن لا يورثون المرأة، ويزعمون أن ذلك هو الذي ينبغي
اتباعه، بل لو يورثها أحد عندهم، ويخلف عادتهم، أنكرت قلوبهم ذلك
أو ينكر عدة المرأة في بيت زوجها،
مع علمه بقول الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ
أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ، ، ويزعم أن تركها في بيت زوجها لا يصلح،
وأن إخراجها عنه، هو الذي ينبغي فعله
وأنكر التحية بالسلام، مع معرفة
أن الله شرعه، حبا لتحية الجاهلية لما ألفها، فهذا يكفر
لأنه آمن ببعض وكفر ببعض، بخلاف
من عمل المعصية، أو ترك الفرض، مثل فعل الزنى، وترك بر الوالدين، مع اعترافه أنه مخطئ،
وأن أمر الله هو الصواب
واعلم أني مثلت لك بهذه الثلاث، لتحذو عليها، فإن عند الناس من هذا كثير،
يخالف ما حد الله في القرآن، وصار المعروف
عندهم ما ألفوه عند أهليهم، ولو يفعل
أحد ما ذكر الله، ويترك العادة، لأنكروا عليه، واستسفهوه، بخلاف من يفعل أو يترك، مع
اعترافه بالخطأ، وإيمانه بما ذكر الله.
واعلم أن هذه المسألة الخامسة، من أشد ما على الناس خطرا في وقتنا، بسبب
غربة الإسلام، والله أعلم”
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم