فرِح الملاحدة بحلقتها ودعموها ورأوا أنها أنصفت الملاحدة!
وفي حلقتها تطرح سؤالاً: كيف نعرف أننا أخلاقيون حقاً وليس فقط من أجل القانون؟ فأجابت: لازم تتجرد من لونك وشكلك ودينك وشخصيتك ونفسك وهذا شيء مستحيل (فجعلت الدين مثل غيره).
وعلى العموم مسألة علاقة الأخلاق بالدين لا تقف عند سؤال: (ما الذي يمنعك من الإضرار بالناس)؟ فإن الأخلاق ليس فقط ترك الإضرار بهم، بل الإحسان إليهم، وهذا الإحسان مراتب، منه قدر واجب وقدر مستحب، ولا يمكن تمييزه إلا بوحي، فلو مرَّ إنسان بفقير وقرر ألّا يعطيه، فلا يوجد قانون يحاسبه، وقد يكون محاسباً دينياً، ولو أحسن إليه لأثنى عليه الجميع.
وأيضاً إذا ثبت هناك مرجع أخلاقي معين فما الذي يجعل التزامه أرجح في حال غياب القانون في الحروب أو وجود مصلحة معيَّنة أو شهوة طاغية.
قال تعالى: {أرأيت الذي يكذِّب بالدين • فذلك الذي يدعُّ اليتيم} فهذا لم يقل: إن إكرام اليتيم ليس أخلاقياً، ولكن لم يوجد ما يُلزمه وغلبته أنانيته وما خشي الآخرة لِكُفره بها.
وخلاصة المقطع أنها ذكرت القسمة المشهورة عند الفلاسفة ويعتمدها الملاحدة، وهي أن الأخلاق تعود لأحد هذه الأقسام:
١- نفعية تابعة لجيرمي، وهي التي تجعل قيمة الأخلاق باعتبار نتيجتها في الانتهاء (وهي لا تفهم انقسام النفعيين، فمنهم من يجرِّد ويعتبر اللذة الحسية فقط، وعندهم حساب يسمونه حساب السعادة، فينظرون في قوة اللذة والألم وكم سيتسمر ويقين وقوعه وعدم وقوعه واحتمال لحوق الألم بعد اللذة ومقدار النقاء الحاصل لاحقاً ونطاق من سيتأثر بهذه اللذة، ولا يخفى أن هذا يعني أن كل فعل لكي نحدد أنه أرجح من الآخر علينا أن نجري دراسة طويلة، فمثلاً: غني مرَّ على فقير محتاج، ورأى أن يذهب ويتلذذ بالمال مع أولاده خير من أن يعطي الفقير، فهنا لا يمكن أن نجزم بأن إعطاءه للفقير أكثر أخلاقية حتى نحسب هذا كله، وقد يختلف باعتبار البشر، ولا يخفى ما في هذا من مكابرة للفطرة، ومنهم من يقول باللذة الحسية، ولكن هذه لا يمكن حسابها بدقة، لذا مع وجودها لا يدعمها أهل التجريب جداً) وأيضاً هناك نزاع بينهم في اللذة، هل تعتبر باعتبار الفرد أم باعتبار الجماعة.
٢- كانطية، وهي التي تجعل القيمة سابقة على البشر، فنحن وُلدنا بقيم معينة متسامية على الزمان والمكان، والمتأثرون بهذه يذمون العنف مطلقاً، ولكن لا يمكنهم إلا الإقرار بالعنف في سياقات معينة.
والنظر الشرعي عند أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل لا يأمر بشيء إلا لحكمة، وأن هذه الأشياء فيها منفعة، وأن البشر يدركون الحسن والقبح إجمالاً، غير أنهم يحتاجون إلى الوحي في فهم تفاصيل الأمر.
وعادةً ما يعترض الملاحدة على أمور دينية، تارةً بالأخلاق النفعية أو الكانطية تارة، ويفترضون أن الدين لا بد أن يسير على عدم اعتبار المصالح الدينية والجنة والنار والحفاظ على المجتمع المسلم بأخلاقياته العامة، فترى المرء فيهم تارةً يقول بلذة حسية نفعية فردانية وتارةً جمعية وتارةً معنوية وتارةً يصير كانطياً ولا يفهم سؤال أهل الأديان له عن المرجعية الأخلاقية ويكتفي بالاعتراض، فالنقطة المغفول عنها وجود مرجعية أخلاقية للاعتراض على التشريعات الدينية، وليس فقط وجود مرجعية أخلاقية عامة.
وهذه المسألة يطول بسطها، غير أن عقلية “صديقي الملحد” التي تدعو للتعايش مع الملاحدة خطيرة، وعقلية القراءة في الكتب الفلسفية التجارية ثم الانطلاق للتصوير والحديث أمام الكاميرات أيضاً خطيرة جداً.