قال ابن رجب في فتح الباري (6/145) :
” وأما كونه لم يفعله بمكة ، فيحمل أنه إنما امر بها أن يقيمها في
دار الهجرة ، لا في دار الحرب ، وكانت مكة إذ ذاك دار حربٍ ، ولم يكن المسلمون يتمكنون
فيها من إظهار دينهم ، وكانوا خائفين على أنفسهم ، ولذلك هاجروا منها إلى المدينة ،
والجمعة تسقط بأعذارٍ كثيرةٍ منها الخوف على النفس والمال .
وقد أشار بعض المتأخرين من الشافعية إلى معنى آخر في الامتناع من إقامتها
بمكة ، وهو : أن الجمعة إنما يقصد بإقامتها اظهار شعار الإسلام ، وهذا إنما يتمكن منه
في دار الإسلام .
ولهذا لا تقام الجمعة في السجن ، وإن كان فيه أربعون ، ولا يعلم في ذلك
خلافٌ بين العلماء ، وممن قاله : الحسن ، وابن سيرين ، والنخعي ، والثوري ، ومالك ،
وأحمد ، وإسحاق وغيرهم .
وعلى قياس هذا :لو كان الأسارى في بلد المشركين مجتمعين في مكانٍ واحدٍ
؛ فإنهم لا يصلون فيه جمعةً ، كالمسجونين في دار الإسلام وأولى ؛ لا سيما وأبو حنيفة
وأصحابه يرون أن الإقامة في دار الحرب – وإن طالت – حكمها حكم السفر ، فتقصر فيها الصلاة
أبداً ، ولو اقام المسلم باختياره ، فكيف إذا كان أسيراً مقهوراً ؟
وهذا على قول من يرى إشتراط إذن الإمام لإقامة الجمعة ، أظهر ، فأما على
قول من لا يشترط إذن الإمام ، فقد قال الإمام أحمد في الأمراء إذا أخروا الصلاة يوم
الجمعة : فيصليها لوقتها ويصليها مع الإمام ، فحمله القاضي أبو يعلى في ((خلافه ))
على أنهم يصلونها جمعة لوقتها .
وهذا بعيدٌ جداً ، وإنما مراده : أنهم يصلون الظهر لوقتها ، ثم يشهدون
الجمعة مع الأمراء”
وثمة أشياء تعضد هذا الاتفاق وأشياء قد ترد عليه
أما العاضد قال ابن مفلح في حواشي الفروع (6) “لو اجتمع في السجن أربعون، هل يصلون جمعة، لأنهم في حكم المستوطنين، والصلاة في المسجد ليست شرطًا، والانفراد عن الجمع يجوز للحاجة؛ ويحتمل أن يصلوا ظهرًا لعدم الاستيطان، أشبه ما لو حبسوا بخيمة، أو صحراء في بعد عن المِصر.ثم رأيت عن السبكي من الشافعية (1) أنه قال: يصلون ظهرًا؛ لأنه لم يبلغنا أن أحدًا من السلف فعل ذلك، مع أنه كان في السجن أقوام من العلماء المتورعين، مع كثرة العدد، قال: ولأن المقصود إقامة الشعائر (2)، والسجن ليس محلًا لذلك، فهي غير جائزة، سواء ضاق البلد الذي فيه السجن أو اتسع، لكنهم يصلونها ظهرًا جماعة، بعد فراغ جمعة البلد”، انتهى
وأما ما قد يفهم منه المعارضة
فقال أبو داود في مسائله بَابُ: يُجَمِّعُ أَهْلُ السِّجْنِ وَاهْلُ الْقُرَى
سَمِعْتُ أَحْمَدَ، سُئِلَ عَنْ أَهْلِ السِّجْنِ، يُجَمِّعُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: فِيهِ اخْتِلَافٌ.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ، سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الْقُرَى، يُجَمِّعُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: فِيهِ اخْتِلَافٌ.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ، ” سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الْقُرَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يُؤَذِّنُونَ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُصَلُّونَ الْجَمَاعَاتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَانُوا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ “.
قال ابن أبي شيبة في المصنف 5578 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: نَا رَجُلٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، فِي أَهْلِ السُّجُونِ قَالَ: «يُجَمِّعُوا الصَّلَاةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»
وهذا فيه مبهم ولكن هل قصد أحمد يجمع بمعنى يصلون جماعة ظهراً أم يصلون الجمعة فمالك أطلق هذه الكلمة وقصد أنهم يصلون ظهراً جماعة
جاء في المدونة لمالك :” وَقَالَ مَالِكٌ: يُجَمِّعُ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَهْلُ السُّجُونِ وَالْمُسَافِرُونَ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ يُصَلِّي بِهِمْ إمَامُهُمْ ظُهْرًا أَرْبَعًا”
فلعل هذا المعنى ولا تكون هذه الكلمات مخالفة للواقع العملي المتواتر
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم