فقال الله تعالى :{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلًا}
هذه الآية يظن كثيرون من العامة أنها تعني تكريم الآدمي على كل حال وإن
كان كافراً ، فيستفيد البعض من هذه الآية احترام الإنسان مطلقاً
وفي هذا نظر ، إذ أن هذا فهم من قرأ هذه الآية وما قرأ غيرها
ما قرأ قول الله عز وجل في المشركين :{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ
يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}
وقوله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون }
والصغار الذلة
وغيرها من النصوص وأي خزي أعظم مما يقع لهم يوم القيامة حتى يقول الكافر
( يا ليتني كنت تراباً )
وأما قوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم ) فمعناه كما قال ابن كثير ملخصاً
ما ورد عن السلف :
” يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن
الهيئات وأكملها كقوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) أي: يمشي قائما منتصبا
على رجليه ويأكل بيديه وغيره من الحيوانات يمشى على أربع ويأكل بفمه وجعل له سمعا وبصرا
وفؤادا يفقه بذلك كله وينتفع به ويفرق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في
الأمور الدينية الدنيوية”
وقد رأى عدد من المفسرين أن هذه الآية لا تشمل الكافر لأنه دافع للكرامة وفاعل
لما يناقضها
قال ابن عادل الحنبلي في تفسيره المسمى ( اللباب من علوم الكتاب )
:” فإن قيل: خطاب الناس بقوله: اَكْرَمَكُمْ
يقتضي اشتراك الكل في الإكرام ولا كرامة للكافر
فإنه أضل من الأنعام.
فالجواب: ذلك غير لازم أنه بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} لأن كل من خلق فقد اعترف بربه،
ثم من استمر عليه وزَاد زِيدَ في كرامته، ومن رجع عنه أُزِيلَ عن الكرامة”
فيرى ابن عادل الكفرَ سبباً لزوال الكرامة
وقال ابن الجوزي في زاد المسير (4/180) :” فإن قيل : كيف أطلق ذكر
الكرامة على الكل ، وفيهم الكافر المُهان؟
فالجواب من وجهين . أحدهما : أنه عامل الكل معاملة المكرَم بالنعم الوافرة
.
والثاني : أنه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة ، أجرى الصِّفة على جماعتهم
، كقوله : { كنتم خير أُمة أُخرجت للناس } “
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم