فائدة في قوله تعالى : ( العزيز الرحيم )

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :

فقد فسر السلف اسمه تعالى ( العزيز ) بالعزيز في انتقامه ، واسم الرحيم
واضح في أنه الرحيم بعباده المؤمنين

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 1262: حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، ثنا
آدَمُ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: “
” الْعَزِيزُ ” ، يَقُولُ: عَزِيزٌ فِي نِقْمَتِهِ إِذَا انْتَقَمَ”.

1263: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَ أَبُو غَسَّانَ، ثنا
سَلَمَةُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ”الْعَزِيزُ فِي نُصْرَتِهِ مِمَّنْ
كَفَرَ بِهِ إِذَا شَاءَ”.

وعليه يكون اسم ( العزيز ) خاص بأعداء الله عز وجل أو بفعله فيهم ، والرحيم
خاص بعباده المؤمنين قال الله تعالى : ( وكان بالمؤمنين رحيماً )

إذا فهمت هذا علمت الحكمة من ختم عدد من قصص الأنبياء التي فيها رحمة الله
عز وجل بأوليائه ، وحلول نقمته على أعدائه باسم ( العزيز الرحيم )

قال الله تعالى : ( وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ
(65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)

فهنا ذكر هذا الاسم بعد ما قص سبحانه من رحمته بموسى وقومه وإهلاكه لفرعون
ومن معه

وقال الله تعالى : ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ
الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ
(92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا
فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ
فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ
نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ
(99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ
لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا
كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
(104) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)

وهذا في ذكر الرحمة الأخروية والنقمة الأخروية

وقال الله تعالى : ( قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ
مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ
بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا
بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ
(121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

وهنا بعد ذكر رحمته بنوح وحلول غضبه على قومه فهو ( العزيز ) في انتقامه
من قوم نوح ( الرحيم ) بنوح ومن معه

وقال سبحانه عن هود : ( إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
(135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ
(136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
(138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )

فهو العزيز في انتقامه من قوم هود ، والرحيم بهود ومن آمن معه

وقال سبحانه وتعالى عن قوم صالح : ( فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ
(157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159))

فهو العزيز في انتقامه من عاقري الناقة الرحيم بصالح ومن معه

وقال سبحانه وتعالى : ( إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ
(161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
(164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ
رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ
لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ
مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ
وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا
الْآَخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ
(173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ
رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

العزيز في انتقامه من قوم لوط الرحيم بلوط ومن معه

والعزيز له معان وأنا إنما أقصد في هذا السياق

قال ابن القيم في النونية

وهو العزيز فلن يرام جنابه أنى يرام جناب ذي السلطان

وهو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شيء هذه صفتان

وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذ ثلاث معان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم