فائدة في تفسير قوله تعالى ( وألقينا على كرسيه جسدا )

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال النسائي في الكبرى  10993 – أنا محمد بن العلاء أنا أبو معاوية
حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال : كان الذي أصاب
سليمان بن داود عليه السلام في سبب امرأة من أهله يقال لها جرادة وكانت أحب نسائه
إليه وكان إذا أراد أن يأتي نساءه أو يدخل الخلاء أعطاها الخاتم فجاء أناس من أهل
الجرادة يخاصمون قوما إلى سليمان بن داود عليه السلام فكان هوى سليمان أن يكون
الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا فجاء حين أراد الله
أن يبتليه فأعطاها الخاتم ودخل الخلاء ومثل الشيطان في صورة سليمان قال هاتي خاتمي
فأعطته خاتمه فلبسه فلما لبسه دانت له الشياطين والإنس والجن وكل شيء جاءها سليمان
قال هاتي خاتمي قالت اخرج لست بسليمان قال سليمان عليه السلام إن ذاك من أمر الله
إنه بلاء أبتلى به فخرج فجعل إذا قال أنا سليمان رجموه حتى يدمون عقبه فخرج يحمل
على شاطئ البحر ومكث هذا الشيطان فيهم مقيم ينكح نساءه ويقضي بينهم فلما أراد الله
عز و جل أن يرد على سليمان ملكه انطلقت الشياطين وكتبوا كتبا فيها سحر وفيها كفر
فدفنوها تحت كرسي سليمان عليه السلام ثم أثاروها وقالوا هذا كان يفتن الجن والإنس
قال فأكفر الناس سليمان حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز و
جل على محمد عليه السلام وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يقول الذي صنعوا فخرج
سليمان يحمل على شاطئ البحر قال ولما أنكر الناس لما أراد الله أن يرد على سليمان
ملكه أنكروا انطلقت الشياطين جاؤوا إلى نسائه فسألوهن فقلن إنه ليأتينا ونحن حيض
وما كان يأتينا قبل ذلك فلما رأى الشيطان أنه حضر هلاكه هرب وأرسل به فألقاه في
البحر وفي الحديث فتلقاه سمكه فأخذه وخرج الشيطان حتى لحق بجزيرة في البحر وخرج
سليمان عليه السلام يحمل لرجل سمكا قال بكم تحمل قال بسمكة من هذا السمك فحمل معه
حتى بلغ به أعطاه السمكة التي في بطنها الخاتم فلما أعطاه السمكة شق بطنها يريد
يشويها فإذا الخاتم فلبسه فأقبل إليه الإنس والشياطين فأرسل في طلب الشيطان فجعلوا
لا يطيقونه فقال احتالوا له فذهبوا فوجدوه نائما قد سكر فبنوا عليه بيتا من رصاص
ثم جاؤوا ليأخذوه فوثب فجعل لا يثب في ناحية إلا أماط الرصاص معه فأخذوه فجاؤوا به
إلى سليمان فأمر بحنت من رخام فنقر ثم أدخله في جوفه ثم سده بالنحاس ثم أمر به
فطرح في البحر

أقول : هذا السند رجاله ثقات ، وقد استنكر
عدد من المتأخرين هذا الخبر بسبب ما ذكر في الخبر من إتيان الشيطان لنساء سليمان
وهن حيض

وهذه الفقرة تفرد بها محمد بن العلاء عن
أبي معاوية وقد روى هذا الخبر عنه أربعة فلم يذكروا هذه الفقرة وهم

1_ أبو خيثمة

2_ إسحاق بن إسماعيل

3_ أبو هلال الأشعري

وحديثهم جميعاً عند ابن أبي الدنيا في
العقوبات (192) ، ولم يذكروا تلك الزيادة المنكرة

4_ أبو السائب السوائي وحديثه عند الطبري
في التفسير (1660) ، وهو بدون هذه الزيادة

وقد روى سفيان الثوري هذا الخبر عن الأعمش
مختصراً ولم يذكر تلك الزيادة

قال الحاكم في المستدرك 3680 – حَدَّثَنَا
أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْوَهَّابِ ، ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ
الْأَعْمَشُ ، عَنِ الْمِنْهَالِ [بْنِ عَمْرٍو] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا }  قَالَ:
” هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ عَلَى كُرْسِيِّهِ يَقْضِي بَيْنَ
النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ جَارِيَةٌ يُقَالَ لَهَا: جَرَادَةُ
وَكَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَهْلِهَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ ، فَقَضَى
بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ إِلَّا أَنَّهُ وَدَّ أَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهَا ،
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ سَيُصِيبُكَ بَلَاءٌ ، وَكَانَ لَا يَدْرِي
يَأْتِيهِ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ “

ومما يدل على نكارة هذه الزيادة أن
مجاهداً ألصق تلاميذ ابن عباس أنكر أن يكون الشيطان ، تمكن من نساء سليمان عليه
الصلاة والسلام

قال الطبري في تفسيره (21/ 199) : حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصف، فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني
خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر، فساح سليمان وذهب مُلكه، وقعد
آصف على كرسيه، ومنعه الله نساء سليمان، فلم يقربهنّ، وأنكرنه; قال: فكان سليمان
يستطعم فيقول: أتعرفوني أطعموني أنا سليمان، فيكذّبونه، حتى أعطته امرأة يوما حوتا
يطيب بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه مُلكه، وفر آصف فدخل البحر فارّا.

وكذلك أنكر قتادة تسلط الشيطان على نساء
سليمان كما روى الطبري (21/198) : حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن
قتادة، قوله( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: حدثنا قتادة أن سلمان أمر ببناء بيت المقدس، فقيل له:
ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد، قال: فطلب ذلك فلم يقدر عليه، فقيل له: إن شيطانا في
البحر يقال له صخر شبه المارد، قال: فطلبه، وكانت عين في البحر يردها في كلّ سبعة
أيام مرّة، فنزح ماؤها وجعل فيها خمر، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر، فقال: إنك
لشراب طيب، إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم رجع حتى عطش عطشا
شديدا، ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب، إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا
قال: ثم شربها حتى غلبت على عقله، قال: فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه، فذلّ،
قال: فكان مُلكه في خاتمه، فأتى به سليمان، فقال: إنا قد أمرنا ببناء هذا البيت. وقيل
لنا: لا يسمعنّ فيه صوت حديد، قال: فأتى ببيض الهدهد، فجعل عليه زجاجة، فجاء
الهدهد، فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه، فذهب فجاء بالماس، فوضعه عليه،
فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه، فأخذ الماس، فجعلوا يقطعون به الحجارة، فكان سليمان
إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخلها بخاتمه; فانطلق يوما إلى الحمام،
وذلك الشيطان صخر معه، وذلك عند مقارفة ذنب قارف فيه بعض نسائه، قال: فدخل الحمام،
وأعطى الشيطان خاتمه، فألقاه في البحر، فالتقمته سمكة، ونزع مُلك سليمان منه،
وألقي على الشيطان شبه سليمان; قال: فجاء فقعد على كرسيه وسريره، وسلِّط على ملك
سليمان كله غير نسائه; قال: فجعل يقضي بينهم، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد
فُتِن نبيّ الله; وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطَّاب في القوّة، فقال: والله
لأجربنه; قال: فقال له: يا نبيّ الله، وهو يرى إلا أنه نبيّ الله، أحدنا تصيبه الجَنابة
في الليلة الباردة، فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس، أترى عليه بأسا؟ قال: لا قال:
فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة، فأقبل فجعل لا
يستقبله جنيّ ولا طير إلا سجد له، حتى انتهى إليهم( وَأَلْقَيْنَا عَلَى
كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو الشيطان صخر.

فإذا كانت هذه الزيادة فقط محل إشكال
فلتضعف هذه الزيادة ويحكم عليها بالشذوذ لعدم ذكر أكثر الرواة لها ،  ويصحح بقية الخبر

واعلم رحمك الله أن السلف أجمعوا على أن
الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان هو ذلك الشيطان ، ولم ينكر هذا أحد من السلف ، قد
تقدم معك أثر ابن عباس وأثر مجاهد ، وأثر قتادة

قال الطبري في تفسيره (21/ 196) : حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو صخر الجنيّ تمثَّل على كرسيه جسدا.

هذا طريق صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس وهي تتقوى بما ورد سابقاً من طريق سعيد بن جبير

قال الطبري في تفسيره (21/ 197) : حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا مبارك، عن الحسن( وَأَلْقَيْنَا عَلَى
كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا.

وقال الطبري في تفسيره (21/199) : حدثنا
محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله( وَلَقَدْ
فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) قال: لقد ابتلينا( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَدًا ) قال: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوما ، ثم ذكر قصةً طويلة

وقد اختار البخاري هذا القول في صحيحه حيث
قال : {جَسَدًا} شَيْطَانًا

ولم ينقل عن السلف قولٌ آخر ، فلو فرضنا
جدلاً أن أصله مأخوذ من كعب الأحبار ، فإنه حجة إذ لم يرد عن أحد من السلف ما
يخالفه

إذا علمت هذا علمت سقوط قول أبي حيان
الأندلسي في تفسيره  ( 7 / 397 ) :” إن
هذه المقالة من أوضاع اليهود والزنادقة ، ولا ينبغي لعاقل أن يعتقد صحة ما فيها ،
وكيف يجوز تمثل الشيطان بصورة نبي حتى يلتبس أمره على الناس ، ويعتقدوا أن ذلك
المتصور هو النبي ؟ ! ولو أمكن وجود هذا لم يوثق بإرسال نبي ، نسأل الله سلامة
ديننا وعقولنا”

وهكذا مقالة الزنادقة سرت على جميع السلف
، في القرون الفاضلة ثم جاء أبو حيان الأندلسي الأشعري بعقله الفذ وأنقذنا من هذه
الخرافة ؟!

ولا يجوز اعتقاد ما قاله أبو حيان
لمخالفته لإجماع السلف

وأيضاً يعلم سقوط الآلوسي  في ” تفسيره ” ( 23 / 198 ) :

” أظهر ما قيل في فتنته عليه السلام
أنه قال : ” لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في
سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن ، فلم تحمل إلا امرأة ، وجاءت بشق
رجل ” . رواه الشيخان عن أبي هريرة مَرْفُوعًا . فالمراد بالجسد ذلك الشق
الذي ولد له ، ومعنى إلقائه على كرسيه : وضع القابلة له عليه ؛ لِيَرَاهُ ” .

لا أعلم أحداً من السلف فسر الآية بما
فسره به الآلوسي وهذا تفسير محدث مخترع ، ومما يدل على بطلان هذا التفسير أنه لم
يرد في الرواية أن شق الرجل وضع على كرسي سليمان ، إنما هو أمرٌ زاده الآلوسي في
الرواية إذ لم يقبل عقله المنقول عن السلف

قال شيخ الإسلام في مقدمة التفسير :”
و فى الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم الى ما يخالف ذلك كان مخطئا
فى ذلك بل مبتدعا وان كان مجتهدا مغفورا له خطؤه”

فاحذر هذا المسلك الوخيم ولا تغتر بمن سبق
إليه

وقد زعم بعض أهل الجرأة أن هذه القصة مأخوذة من التلمود البابلي والتلمود البابلي فيه قصة موسى والخضر فهل نكذبها أيضاً ، وهذا التلمود نسخته النهائية ظهرت في القرن الثامن الميلادي يعني بعد البعثة بمائة سنة ! 

يعني هم من أخذوا عن السلف لا العكس 

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم