فائدة في تفسير الحروف المقطعة في أوائل السور

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذا بحث في مسألة تفسير الحروف المقطعة ،
وبيان أن ذلك ورد عن السلف فلا يجوز وصفه بأنه ( ترهات ) أو ( من فضول العلم ) أو
غيرها من الأوصاف.

(أ) قال الطبري في تفسيره (18/ 137) : حدثنا
أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أبو حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس، قال: كان يقول في الهاء من (كهيعص) : هاد، 

وهذا إسناد صحيح.

أقول : كذا قلت قديماً أن الإسناد صحيح ثم بدا لي أن هناك وهماً في السند فهو حصين وليس أبا حصين وبعده رجل مجهول اسمه إسماعيل بن راشد سقط من رواية ابن إدريس ووجد في رواية غيره فالسند ضعيف 

وقال الطبري أيضاً : حدثني عليّ، قال: ثنا
عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله:( كهيعص ) قال: فإنه
قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله.

وهذه صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ،
وفيها خلاف معروف إلا أنها تصلح لعضد الخبر السابق في الجملة.

(ب) قال ابن أبي حاتم في تفسيره 47- حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ، ابنا أبي شيبة، قَالا: ثنا
سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ،
عَنْ عَامِرٍ،”أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ” الم ” ، ” الر ” ، “
حم ” ، ” ص ” ، قَالَ: هِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ
مُقَطَّعَةً بِالْهِجَاءِ، فَإِذَا وَصَلْتَهَا كَانَتِ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ
اللَّهِ”.

عامر هذا هو الشعبي والسند إليه صحيح ،
وهو من فقهاء التابعين المعروفين

(ج) قال ابن أبي حاتم في تفسيره 50- حَدَّثَنَا
أَبِي، ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ: ” ” الم ” ، اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ”،
وَكَذَا فَسَّرَهُ قَتَادَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وهذا إسناد صحيح إلى مجاهد.

(د) قال ابن أبي حاتم في تفسيره 52- حَدَّثَنَا
أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ: ” ” الم ” قَسَمٌ”، وهذا إسناد صحيح إلى عكرمة.

(هـ) قال ابن أبي حاتم في تفسيره 3164- حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ، أنبأ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنبأ مَعْمَرٌ، عَنْ
قَتَادَةَ،”فِي قَوْلِهِ: ” الم ” , قال: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ
الْقُرْآنِ”.

(و) قال ابن أبي حاتم في تفسيره 12167- حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا هُدْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثنا عَلِيُّ
بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ” ” الر ” : حُرُوفُ الرَّحْمَنِ
مَفْرِقِهٌ”، فَحَدَّثْتُ بِهِ الأَعْمَشَ، فَقَالَ: عِنْدَكَ مِثْلُ هَذَا
وَلا تُخْبِرْنَاهُ، وهذا إسناد قوي إلى ابن عباس.

(ز) قال ابن أبي حاتم في تفسيره 11017- حَدَّثَنَا
أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ
الضَّحَّاكِ، ” الر ” قَالَ:”أَنَا اللَّهُ أَرَى”، وهذا
إسناد قوي إلى الضحاك.

(ح) قال ابن أبي حاتم في تفسيره 8229- أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، فِيمَا كُتِبَ إِلَيَّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُفَضَّلٍ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ : ” ” المص “
: فَهُوَ الْمُصَوِّرُ”، أسباط وإن كان فيه كلام غير أنه يحتمل فيما روى عن
شيخه مباشرة.

(ط) قال ابن أبي حاتم في تفسيره 17419- حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مَهْدِيٍّ، ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَأَلْتُ السُّدِّيَّ، عَنْ قَوْلِهِ:
” الْم حم طسم ” ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:”هُوَ اسْمُ اللَّهِ
الأَعْظَمُ”، يلزم من يقوي تفسير السدي أن يأخذ بهذا الأثر.

(ي) قال الطبري في تفسيره (1/205) : 232- حدثني
يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا عبد الله بن وهب، قال: سألت عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم، عن قول الله:”ألم ذلك الكتاب” و”ألم تَنزيل”، و”ألمر
تلك”، فقال: قال أبي: إنما هي أسماء السُّوَر.

قال الطبري في تفسيره :” والصواب من
القول عندي في تأويل مفاتِح السور، التي هي حروف المعجم: أنّ الله جلّ ثناؤه
جعلَها حروفًا مقطَّعة ولم يصِل بعضَها ببعض -فيجعلها كسائر الكلام المتّصِل
الحروف – لأنه عز ذكره أراد بلفظِه الدلالةَ بكل حرف منه على معان كثيرة، لا على
معنى واحد، كما قال الربيعُ بن أنس. وإن كان الربيع قد اقتصَر به على معانٍ
ثلاثةٍ، دون ما زاد عليها.

والصوابُ في تأويل ذلك عندي: أنّ كلّ حرف
منه يحوي ما قاله الربيع، وما قاله سائر المفسرين غيرُه فيه – سوى ما ذكرتُ من
القول عَمَّن ذكرت عنه من أهل العربية: أنهّ كان يوجِّه تأويلَ ذلك إلى أنّه حروف
هجاء، استُغني بذكر ما ذُكر منه في مفاتيح السور، عن ذكر تتمة الثمانية والعشرين
حرفًا من حروف المعجم، بتأويل: أن هذه الحروف، ذلك الكتاب، مجموعة، لا ريب فيه – فإنه
قول خطأ فاسدٌ، لخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين وَمن بَعدَهم من الخالفين
منْ أهل التفسير والتأويل . فكفى دلالة على خَطئة، شهادةُ الحجة عليه بالخطأ، مع
إبطال قائل ذلك قولَه الذي حكيناه عنه – إذ صار إلى البيان عن رفع”ذلك الكتاب”
– بقوله مرّة إنه مرفوعٌ كلّ واحد منهما بصاحبه، ومرة أخرى أنه مرفوعٌ بالرّاجع من
ذكره في قوله”لا ريب فيه” ومرة بقوله”هدى للمتقين”. وذلك تركٌ
منه لقوله: إن”ألم” رافعةٌ”ذلك الكتاب”، وخروجٌ من القول الذي
ادّعاه في تأويل”ألم ذلك الكتاب”، وأنّ تأويل ذلك: هذه الحروف ذلك
الكتاب”، إلى آخر كلامه الذي أطال فيه ، وأطاب.

واعلم رحمك الله أن القول بأن هذه الحروف
لا معنى لها ينطبق عليه قول الطبري :” فإنه قول خطأ فاسدٌ، لخروجه عن أقوال
جميع الصحابة والتابعين”، ومن نسبه إلى بعض السلف فقد غلط عليه ، كنسبة هذا
القول للخلفاء الراشدين.

جاء في المجموع من أقوال الشيخ حماد
الأنصاري :” 245 – وسمعته يقول: المتأخرون من المفسرين أكثرهم لم يطلع على
أقوال السلف حول الحروف التي تبدأ في بعض أوائل السور نحو آلم. وقول بعض المفسرين
من المتأخرين إن {الم} الله أعلم بمراده، هذه العبارة حق أريد بها باطل، فلا شك أن
الله تعالى أعلم بمراد كتابه كله. إن كتب السلف في التفسير تُرِكَت في الخزائن ونُشِر
بدلاً منها تفاسير الرأي ونحوها”.

وليعلم بعد هذا أنه لا يجوز وصف القول
بتأويل الحروف المقطعة بأنه ( ترهات ) أو ( لا فائدة تحته ) أو أن تترك أقوال
هؤلاء ويؤخذ بقول السيوطي ويعلق به على كتب العقيدة ، وإنما نقف حيث وقف القوم ،
وما ذكره بعض العلماء من حكمة في إنزال الحروف المقطعة غير المتقدم عن السلف فلا
يناقض قول السلف بحال بل يمكن الجمع بينهما، وإنما المناقض دعوى أنها ( سر القرآن )
وقد ذكر هذا القول الطبري في تفسيره ولم يعزه إلى معتبر من الناس.

واعلم أنني في هذا المقال اخترت طريق
التعنت في نقد الأسانيد ، ولو أردت التسامح في الآثار لذكرت آثاراً أخرى كثيرة،
ومن باب الفائدة قوله تعالى ( طه ) الصواب أنه ليس من الحروف المقطعة بل الذي عليه
عامة السلف أن معناه (يا رجل)

 قال مكي بن أبي طالب في تفسيره :” وقال بعض المتأخرين من أهل النظر: هذه الفواتح لا نعلم لها تأويلاً، ولا صح عن النبي عليه السلام، ولا اتفقت الأُمة على تفسيرها. والذي نعتقده في ذلك أنّا إنما كلفنا تلاوة تنزيلها، ولم نكلف معرفة تأويلها. (ولا يعرف تأويلها) من جهة العقل.
قال أبو محمد رضي الله عنهـ: وهذا القول يلزم قائله أن يكون مثله في كل آية مشكلة لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تأويل، ولا اتفقت الأُمة على تأويلها، فيعطل معرفة أكثر القرآن، ويقول: إنما كلفنا التلاوة لا غير. وأكثر ذلك في الأحكام يقع، فيعطل أحكاماً كثيرة على مذهبه (وكيف) يكون ذلك؟ وهل أنزله الله إلا لنعلم تأويله،ونتدبره كما قال: {ليدبروا آيَاتِهِ} [ص: 29].”

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم