فائدة : الحنيف المستقيم !

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد اشتهر عند كثير من طلبة العلم أن ( الحنيف ) هو ( المائل ) ومن أحنف
القدمين

غير الوارد عن السلف غير ذلك

قال الطبري في تفسيره (3/104) :” أما”الحنيف”، فإنه المستقيم
من كل شيء. وقد قيل: إن الرجل الذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى، إنما قيل له”أحنف”،
نظرا له إلى السلامة، كما قيل للمهلكة من البلاد”المفازة”، بمعنى الفوز بالنجاة
منها والسلامة، وكما قيل للديغ:”السليم”، تفاؤلا له بالسلامة من الهلاك،
وما أشبه ذلك.

* * *

فمعنى الكلام إذا: قل يا محمد، بل نتبع ملة إبراهيم مستقيما”

هذا كلام إمام المفسرين رحمه الله تعالى

واعلم رحمك الله أنه ليس أحد من السلف فسر الحنيف ب ( المائل ) فيما اعلم
بل فسروه بعدة تفسيرات لا تخرج عن معنى الاستقامة

ويمكن تلخيص أقوالهم في معنى الحنيف على خمسة أقوال

1- الحنيف الحاج

وهذا قول الحسن البصري وروي عن ابن عباس في صحيفة علي بن أبي طلحة وروي
عن مجاهد وهو قول الضحاك والسدي

2- الحنيف المتبع

وقد جعله الطبري مرادفاً لمعنى الاستقامة فقال : وقال آخرون:”الحنيف”،
المتبع، كما وصفنا قبل، من قول الذين قالوا: إن معناه: الاستقامة.

وهذا قول مجاهد

قال الطبري في تفسيره 2099- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن
قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:”حنفاء” قال: متبعين.

وهذا إسناد صحيح إلى مجاهد ، وهذا لا يتناقض مع الأول غير أنه أعم منه

3- الحنيف المختتن

ذكره الطبري ولم يسم قائله ، وقد روي عن قتادة

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 11461: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى،
أَنْبَأَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ” حَنِيفًا ” قَالَ:”الْحَنَفِيَّةُ: الْخِتَانُ،
وَتُحَرِّمُ الأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ، وَالْعَمَّاتُ، وَالْخَالاتُ، مَا حَرَّمَ
اللَّهُ وَالْمَنَاسِكَ”.

4- الحنيف المخلص

وهذا قول خصيف ذكره عنه ابن أبي حاتم وذكره ابن المنذر عن عطاء الخراساني
ولا يصح السند إليه ولا تنافي بين معنى الإخلاص ومعنى الاستقامة

5- الحنيف المؤمن بالرسل كلهم

ذكره ابن أبي حاتم عن أبي قلابة ، وهذا من ضمن الاستقامة والله أعلم

فتفسير الحنيف ب( المائل ) ليس تفسيراً سلفياً والله أعلم ، فلم يذكره
السيوطي في الدر المنثور عن أحد

وقال ابن عبد البر في الاستذكار 3/101:

وذلك أن الفطرة السلامة والاستقامة بدليل حديث عياض بن حمار عن النبي صلى
الله عليه و سلم حاكيا عن ربه ( عز و جل ) إني خلقت عبادي حنفاء يعني على استقامة وسلامة

والحنيف في كلام العرب المستقيم السالم

وإنما قيل للأعرج أحنف على جهة التفاؤل كما قيل للقفر مفازة .اهـ ( أفاد
به احد الأخوة )

وتفسير الحنيف بالمائل نسبه الثعلبي لابن عباس بلا إسناد والثعلبي صاحب
بواطيل وهذا لا يصح عن ابن عباس بحال لأنه لو روي عنه لنقله أهل التفسير المسند كاالطبري
وابن أبي حاتم وغيرهم

فوجب العدول عن هذا القول إلى قول السلف

والله أعلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم