فائدة: الأصل في الصلاة على النبي ﷺ في أوائل وأواخر الدروس العلمية

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

جرت عادة الشيوخ أنهم في بداية الدروس يحمدون الله، وكثير منهم يصلي على النبي ﷺ.

وعامتهم يصلُّون على النبي ﷺ في آخر الدرس.

وذلك جارٍ في الكتب أيضاً.

فما الدليل على مثل هذا الالتزام؟

قال ابن القيم في «جلاء الأفهام»: “فصل الموطن الثالث والعشرون من مواطن الصلاة عليه ﷺ عند تبليغ العلم إلى الناس، وعند التَّذكير والقَصص، وإلقاء الدرس، وتعليم العلم، في أوَّلِ ذلك وآخرِه.

٤٤٣- قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي -وهو الجعفي- عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: (أما بعد فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإنَّ مِن القُصَّاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي ﷺ، فإذا جاءك كتابي هذا فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النَّبيِّين ودعاؤهم للمسلمين عامَّة، ويَدَعُوا ما سوى ذلك).

والصلاة على النبي ﷺ في هذا الموطن، لأنه موطن لتبليغ العلم الذي جاء به ونشره في أُمَّته، وإلقائه إليهم، ودعوتهم إلى سُنَّته وطريقته ﷺ. وهذا من أفضل الأعمال وأعظمها نَفعًا للعبد في الدنيا والآخرة”.

أقول: الخبر الذي أورده ابن القيم عن عمر بن عبد العزيز إسناده صحيح، وهو في مصنف ابن أبي شيبة.

ووجه دلالته في قوله: “وإنَّ مِن القُصَّاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي ﷺ”.

فعُلِم أن عادتهم الصلاة على النبي ﷺ في مجالس الدرس.

وكلمة (قصص) كانوا يطلقونها على مطلق مجلس العلم.

كما في «صحيح البخاري» من قول ابن سلول للنبي الكريم ﷺ: “فلا تؤذنا به في مجالسنا، فمن جاءك فاقصص عليه”.

وأثر عمر هذا أقوم شيء في الباب وأوضحه.

ويبدو لي مناسبة بين مجالس العلم والصلاة على النبي ﷺ، وهي أن كليهما موجِب للذِّكر عند الله عز وجل.

فالصلاة على النبي ﷺ يصلِّي بها الله عليك عشراً، وهذا ذكر عنده في الملأ الأعلى.

ومجلس الذِّكر داخل في الحديث «وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري: «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك! قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا، قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا، والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا، والله ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم”.

وتأمَّل ذكر الملائكة في حضور مجالس العلم.

وحضورهم في قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب].

وفي قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} [آل عمران].