غنيمة الموت على التوحيد

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذا زمن يعج بالفتن وقد قارب الحال إن لم يكن طابق قول النبي صلى الله
عليه وسلم ( يصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً )

وقال البربهاري في شرح السنة [140] واحذر ثم احذر [أهل] زمانك خاصة، وانظر
من تجالس، وممن تسمع، ومن تصحب، فإن الخلق كأنهم في ردة، إلا من عصمه الله منهم.

وهذا قول البربهاري في أهل عصره قبل أحد عشر قرناً لما رأى من ذيوع البدع
الكلامية .

 فكيف لو رأى زماننا وقد رافق تلك
البدع الكلامية الزندقة الصريحة التي تفوه بها بعض أرباب الضلال والقبورية المحضة التي
تشيع في صفوف المنتسبين إلى الإسلام .

على أن البربهاري ما جزم بالردة غير أنه قال ( كأنهم في ردة ) أي رقة دينهم
تقارب رقة دين شديدة إلى حد شابهوا فيه من فارق دينه بالكلية

قال ابن القيم في زاد المعاد (3/ 436) :” وَهَذَا حُكْمُ الْمَشَاهِدِ
الّتِي بُنِيَتْ عَلَى الْقُبُورِ الّتِي اُتّخِذَتْ أَوْثَانًا وَطَوَاغِيتَ تُعْبَدُ
مِنْ دُونِ اللّهِ وَالْأَحْجَارُ الّتِي تُقْصَدُ لِلتّعْظِيمِ وَالتّبَرّكِ وَالنّذْرِ
وَالتّقْبِيلِ لَا يَجُوزُ إبْقَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ
عَلَى إزَالَتِهِ وَكَثِيرٌ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ اللّاتِ وَالْعُزّى ، وَمَنَاةَ الثّالِثَةِ
الْأُخْرَى ، أَوْ أَعْظَمُ شِرْكًا عِنْدَهَا ، وَبِهَا ، وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ
. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ هَذِهِ الطّوَاغِيتِ يَعْتَقِدُ أَنّهَا تَخْلُقُ
وَتَرْزُقُ وَتُمِيتُ وَتُحْيِي ، وَإِنّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدَهَا وَبِهَا
مَا يَفْعَلُهُ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْيَوْمَ عِنْدَ طَوَاغِيتِهِمْ
فَاتّبَعَ هَؤُلَاءِ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ وَسَلَكُوا سَبِيلَهُمْ حَذْوَ الْقُذّةِ
بِالْقُذّةِ وَأَخَذُوا مَأْخَذَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَغَلَبَ
الشّرْكُ عَلَى أَكْثَرِ النّفُوسِ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وَخَفَاءِ الْعِلْمِ فَصَارَ
الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا ، وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا ، وَالسّنّةُ بِدْعَةً وَالْبِدْعَةُ
سُنّةً وَنَشَأَ فِي ذَلِكَ الصّغِيرُ وَهَرِمَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ وَطُمِسَتْ الْأَعْلَامُ
وَاشْتَدّتْ غَرْبَةُ الْإِسْلَامِ وَقَلّ الْعُلَمَاءُ وَغَلَبَ السّفَهَاءُ وَتَفَاقَمَ
الْأَمْرُ وَاشْتَدّ الْبَأْسُ وَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ وَلَكِنْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعِصَابَةِ الْمُحَمّدِيّةِ
بِالْحَقّ قَائِمِينَ وَلِأَهْلِ الشّرْكِ وَالْبِدَعِ مُجَاهِدِينَ إلَى أَنْ يَرِثَ
اللّهُ سُبْحَانَهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ، وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ

تأمل قوله ( غلب الشرك على أكثر النفوس ) وهذا في عصره – رحمه الله –  وتأمل تلك الشكاية المشجية ووصفه المبكي لغربة الإسلام

وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب كما في الدرر السنية (8/116)
:”وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا
عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ
وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}

. فهل بعد هذا غلظة وبيان وزجر وإنذار وهل يشك بعد هذا ممن له فطرة وسمع
وبصر؟ اللهم إلا من ركن إلى الدنيا وطلب إصلاحها ونسي الآخرة، فهذا لا عبرة به، لأنه
أعمى القلب مطموس البصر.

وقد أمرنا الله تعالى: أن نقول لهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}  ؛ ففي قوله: {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} إظهار
للبراءة من دينهم، وزجر عن الدخول في طاعتهم.

لقد والله لعب الشيطان بأكثر الخلق، وغير فطرهم، وشككهم في ربهم وخالقهم،
حتى ركنوا إلى أهل الكفر، ورضوا بطرائقهم عن طرائق أهل الإسلام؛ وكنا نظن قبل وقوع
هذه الفتن، وترادف هذه المحن: أن في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا، يغارون على دينهم،
ويبذلون نفوسهم وأموالهم في الحمية لدينهم؛ فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم
تفلحون”

وتأمل قوله ( لعب الشيطان بأكثر الخلق ) وتأمل شكايته من قلة الناصر حيث
قال : (

وكنا نظن قبل وقوع هذه الفتن، وترادف هذه المحن: أن في الزوايا خبايا،
وفي الرجال بقايا، يغارون على دينهم)

وقد كنا نحن أيضاً أن في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا يغارون على دينهم
وقد امتحنا بدون مما امتحن به الإمام وإذا بك تتمثل قول الشاعر

ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم *** الله يعلم أني لم أقل فنداً

إني لأفتح عيني حين أفتحها *** على كثير ولكن لا أرى أحداً

فما أقل الرجال اليوم الذين يغارون على العقيدة ؟

وقال العلامة عبد الله أبو بطين في الدرر السنية (8/101) :” والحديث
المروي: ” يأتي على الناس زمان، يذوب فيه قلب المؤمن ” الحديث; فهذه الأزمنة،
والله، كذلك، ولكن لضعف الإيمان، ما نحس بذلك على حقيقته. وقد اشتدت، والله، غربة الإسلام،
وأي غربة أعظم من غربة من وفقه الله لمعرفة التوحيد، الذي اتفقت عليه جميع الرسل، الذي
هو حق الله على عباده، مع جهل أكثر الناس اليوم، وإنكارهم له، والأمر كما قال الله:
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ}

 .

نسأل الله لنا ولكم الوفاة على التوحيد، الذي هو إخلاص العبادة لله وحده؛
وقول الحسن، رحمه الله، فما أحسن ذلك وأحلاه! وتوجعه وتأوهه، مما رأى في زمانه المثنى
على أهله. ولا يأتي زمان إلا وما بعده شر منه، كما قال الصادق المصدوق؛ ولكن لغلبة
الجهل، وقلة العلم، وإلف العادة، ضعف استنكار المنكر وعدم، فالله المستعان “

فتأمل سؤاله أن يتوفاه الله على التوحيد بعد أن علم قلة أهل التوحيد في
أهل الشرك من المنتسبين للإسلام فضلاً عن غيرهم ولا عجب ممن هلك كيف هلك ولكن العجب
ممن نجا كيف نجا

فما أعظم غنيمة من نجا من مظاهر الشرك الموجودة ومات على التوحيد

اللهم ثبتنا على الحق إلى أن نلقاك

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم