عندما يُستمدُّ الأمل من أخبار الهزائم

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

عندما يُستمدُّ الأمل من أخبار الهزائم (هذا معنى أن يكون عندك تاريخ)

قدَّر الله تبارك وتعالى علي أن أقرأ هذه الكلمات في الأيام الماضية.

قال ابن واصل في كتابه «مفرج الكروب في أخبار ملوك بني أيوب» (4/34): “لم ينكب المسلمون نكبة أعظم مما نكبوا هذه السنة، فانه جرى فيها من قتل المسلمين واسترقاقهم والاستيلاء على أكثر ممالكهم ما لم يجر لهم قبل هذه السنة مثله، ولا قريب منه. فمن ذلك ما ذكرنا من تمكن الفرنج -لعنهم الله- بتملكهم ثغر الديار المصرية وهى دمياط واستيلائهم على أهلها قتلا وأسرا.

ومنه الواقعة العظمى والمصيبة الكبرى، وهو ظهور التتر وتملكهم في المده القريبة أكثر بلاد المسلمين ومعاقلهم، وسفك دماء المسلمين وسبى حريمهم وذراريهم. ومذ بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم وأظهر به الدين الحنيفي ونصره على أهل الشرك، لم يفجع المسلمون فجيعة أعظم من هذه الفجيعة. فإلى الله سبحانه وتعالى الرغبه في قلع شأفتهم، واجتثاث أصلهم”.

أقول: هذه الكلمات المؤلمة تحمل في ثناياها شيئاً من الأمل.

فإن قيل: كيف هذا؟

فيقال: إنْ علِمَ المرء ما مرت به الأمة من محن عظيمة وكيف أزال الله ذلك كله بعد أن ظن الظانون أنَّ هذه نهاية الإسلام وأهله أو نهاية دولتهم، وكانت تلك نهاية عدوهم.

لمْ يتسلل اليأس إلى قلبه، وعلِمَ أنَّ لله في كل محنةٍ منحة.

وقد قلت مرة لبعض الفضلاء: حين تقرأ عن أخبار الزنادقة؛ وبدعٍ؛ وضلالات؛ ونكبات أخلاقية عظيمة، عصفت بالمسلمين ثم ترى أنَّ هذه قد ضعفت أسبابها في زماننا على ضعف أهله، فإن ذلك يجعلك أكثر يقيناً برحمة الله ونعمته على هذه الأمة.

ومن رحمته ما ذُكر في أخبار التجديد، وما قاله الحسن البصري: «لا بد للناس من تنفيسات» (يعني مواطن يخفِّف الله فيها عن عباده ألم الابتلاء).

قد كانت حروب الردة؛ وفارس؛ والروم؛ والحملات الصليبية؛ وحملات الزنادقة الداخلية؛ والباطنية؛ والقرامطة وقد قامت لهم دول؛ ثم التتر ولهم مراحل في أذية الأمة، بدءاً بجنكيزخان مروراً بهولاكو وانتهاءً بتيمورلنك الذي قيل أنه كان نصيرياً.

ومع وهنٍ عظيم دخل على الناس داخلياً في العقيدة والسلوك والعبادة.

ومع ذلك كان الخير يظهَر في «تنفيسات» في قومٍ من أهل الصلاح، يجعلون قُربتهم إلى الله في إرجاع الأمة إلى أمرها الأول أو تقريبهم من ذلك ما استطاعوا، فيطرح الله بركته في عملهم وترى الخير، وذلك باقٍ حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ويومئذٍ يثاب أولئك الأخيار على ما أصابهم في مسيرهم الذي زُلزلوا فيه واستعانوا بالله وثبتوا.