علاج عقدة الخواجة من كتاب الله عز وجل

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

علاج عقدة الخواجة من كتاب الله عز وجل

سمعنا كثيراً عن (جلد الذات) و(عقدة الخواجة) و(تقديس الرجل الأبيض) و(المغلوب المولع بتقليد الغالب).

وهذه الأمور تشرح كثيرًا مما نراه في بلداننا، حتى أن هذا من أكثر الأمراض النفسية الفاشية والتي لا يُعنى بعلاجها كما ينبغي.

غير أن السؤال (ما الترياق الشافي لكل هذه الأمور)؟

ما الأمر الذي إن علمه المرء شفي من هذا الأمر، وإن تعلمه قبل أن ترد عليه وارداته كان حصانة له.

الجواب هناك أمور كثيرة، غير أن هناك واحدة من تدبر فيها تحصن، وكان ذلك مهوناً عليه كل ما يجده في الدنيا من نصب، ألا وهي (تقدير نعمة العقيدة الصحيحة والوحي)، وإن شئت فقل الاستعلاء بالعقيدة.

قال تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (127) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم (128) ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم (129) ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (130) إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (131) ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (132) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون (133) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}

تأمل إبراهيم وإسماعيل في مقام استجابة وهما يبنيان بيت الله، وإبراهيم واجه النمرود وملك مصر وواجه طغيان قومه.

ما دعوا برزق أو رفعة وإنما دعوا أن يكون لهم ذرية مسلمة تعبد الله على بصيرة وتدعو لذلك، ويقاس على حالهم كل عالم له طلبة يدعون إلى الخير.

ودعوا الله بالعلم النافع (وأرنا مناسكنا) وسألوا ذلك لذريتهم وأن يرزقهم الله بمن يعلمهم تفاصيل الخير، وكل ذلك منهم تقديراً واعتزازاً بنعمة الوحي والاعتقاد الصحيح، والعلم النافع في أصول الدين وفروعه.

ثم بعدها {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}

أي لا تغتر بأي أحد ليس على ملة إبراهيم مهما كان غالباً أو عالياً في الأرض فهو سافه لنفسه على التحقيق، واستحضر لذلك أن العلو في الآخرة لإبراهيم وما كان على دينه، وما الدنيا في الآخرة إلا قليل، ثم الآية بعدها في بيان أن دين إبراهيم الإسلام رداً على من ينتحله من اليهود والنصارى.

ثم ذكر لك اعتزاز يعقوب بالتوحيد، إذ ما أوصى أولاده بمال ولا جاه وإنما أوصاهم بالاعتقاد الصحيح وامتحنهم في ذلك.

ثم جاءت الآية المتممة {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}، فإذا كان هذا حال الأمة التي سبقتنا بالاعتقاد الصحيح -وإنما يطلب منا الاقتداء بهم فحسب لا التوسل بأعمالهم أو ذواتهم ولا الاستغاثة بهم- فما بالك بقوم كفار ليسوا على اعتقاد صحيح نشغل أنفسنا بالاقتداء بهم، أو تطلب أحوالهم بدلاً من أن نجعلهم عبرة لنا ومحلًا لدعوتنا.

ثم جاءت الآية بعدها {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} وكأنها رد على الإفك الذي يسمى بالبيت الإبراهيمي.