عدنان إبراهيم وإنكار حقيقة الملائكة..
يقول في خطبته داروين وصفقة جحا:
”الإسلاميين يسمونها الملائكة، الفلاسفة يسمونها العقول، هي مجردات في مقام ذاتها وفي مقام فعلها. معنى كونها مجردة في المقامين أنها لا تحتاج إلى مادة أصلا لكي تمارس آثارها وأفعالها..هتقول معناها أنها لا تحتاج إلى المادة ومجردة من المادة بالكامل إذن هي كانت غير متزمنة، نعم غير متزمنة انتبهوا هذه قضية فيزيائية وفلسفية مهمة جداً أي شيء متزمن مادي، أي شيء برهنت على أنه متزمن يتأثر بالزمن لا بد أن يكون ماديا“.
ثم تكلم على قاعدة أرسطو في المحرك الذي لا يتحرك فقال: (إذن الله ليس متزمنا).
أقول: هذا الكلام خطير جداً فالعقول عند الفلاسفة أشياء مجردة لا علاقة لها بالزمن ولا المكان لذا هي عدم في الحقيقة!
هؤلاء الفلاسفة يؤمنون بوجود كائنات لا علاقة لها بالزمان ولا المكان ولا صفات لها، يسمونها العقول أو عالم المثل، والقول بأن الملائكة عند المسلمين هي العقول عند الفلاسفة فاسد غاية، فنحن نؤمن أن الملائكة مخلوقة وجدت بعد إن لم تكن وأنها مخلوقة من نور!
قال ابن تيمية في الجواب الصحيح (5/25):
“وأئمة الأمة وكثير من المتفلسفة الداخلين في أهل الملل يقولون: إن الذوات التي تسميها الأنبياء الملائكة هي التي تسميها المتفلسفة المشاءون عقولا، أو عقولا ونفوسا، وهذا غلط عظيم كما قد بسط في موضعه. فإن العقول التي يثبتها هؤلاء المتفلسفة لا حقيقة لها عند الرسل وأتباعهم، بل ولا حقيقة لها في المعقول الصريح، بل حقيقة كلامهم أنها أعراض قائمة بنفسها. وقد صرحوا بأن واجب الوجود -نفسه- هو علم، وجعلوا نفس العلم هو نفس العالم، ونفس تصور هذا القول يكفي في العلم بفساده، كما أن هؤلاء المتفلسفة – أتباع أرسطو- لا يعرفون الملائكة، بل ولا الجن، وإنما علمهم معرفة الأجسام الطبيعية، وتكلموا في الإلهيات بكلام قليل نزر؛ باطله أكثر من حقه، كما قد بسط في موضع آخر“.
وهذا الكلام الذي قاله عدنان إبراهيم إنما أخذه من الغزالي.
قال الشيخ في الرد على الشاذلي:
”ومنهم من يُفَرِّق بين عالم الملك والملكوت والجبروت فيجعل هذا عالم العقول وهذا عالم النفوس وهذا يوجد في كلام أبي حامد وأمثاله وهو مبنيٌّ على قول الفلاسفة الدهرية الذين يجعلون الملائكة خارجة عن ملك الله ويقولون إنهم ليسوا أجسامًا يُشار إليها ولا تصعد ولا تنزل ولا توصف بحركة ولا سكون ولا هي داخل الأفلاك ولا خارجها ولا تُرَى ولا يُسْمع لها كلام وليس هذا من دين أهل الملل المسلمين ولا غيرهم وقد بُسِط القولُ في فساد هذا بما ليس هذا موضعه“.
وقد أشار الغزالي إلى هذا المعنى في إحياء علوم الدين:
“وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول إلهام الخير يسمى توفيقا“.
وقال ابن تيمية في الرد على المنطقيين:
“وأبو حامد يفرق بين عالم الخلق وعالم الأمر فيجعل الأجسام عالم الخلق والنفوس والعقول عالم الأمر وهذا أيضا ليس من دين المسلمين بل كل ما سوى الله مخلوق عند المسلمين والله تعالى خالق كل شيء.
وإذا ادعو أن العقول التي أثبتوها هي الملائكة في كلام الأنبياء فقد ثبت بالنص والإجماع أن الله خلق الملائكة بل خلقهم من مادة كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خلق الله الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم” فبين أن الملائكة مخلوقون من مادة موجودة قبلهم، فأين هذا من قول من ينفى الخلق عنها ويقول أنها مبتدعة لا مخلوقة أو يقول أنها قديمة أزلية لم تكن من مادة أصلا وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر“.
وقول عدنان أن الله غير متزمن يعني به ما يريده الجهمية من نفي الأفعال الاختيارية لله عز وجل وأنه يفعل ما شاء متى شاء وأصل قول السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق مبني على إثبات أفعال لله تقوم بذاته ولهذا يقولون في القرآن (منه بدأ وإليه ويعود) فأثبتوا للقرآن بداية ولم يقولوا بخلقه فعلم أنه فعل لله عز وجل متعلق بزمان وحتى استدلالهم على الجهمية بأن قوله (كن) لو كان مخلوقاً لتسلسلت العلل واضح في أنهم يثبتون لله كلاماً له بداية وهذا المعنى الذي أشار إليه بعض متأخري أهل الحديث بقولهم قديم النوع حادث الآحاد أي أنه يفعل ما شاء متى شاء وهو الأول الذي لا بداية له.
وأصالة كيف يتم ربط العلاقة بين المخلوق والخالق وليس لله (للخالق) فعل اختياري ينزل على المخلوق بل دلت النصوص على أن أفعال الله عز وجل تنتج مفعولات (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (كن) فعله (فيكون) مفعوله ولهذا من أثبت تسلسل الأفعال وتوقف في المفعولات فهذا متناقض فكلها لها بداية ونهاية والأفعال سابقة على المفعولات.
والفلاسفة حين قالوا أن الله عز وجل لا داخل العالم ولا خارجه، سهل عليهم إثبات ذلك في بعض المخلوقات فقال قائلهم هذا العجب في الملائكة وفي الروح.