جاء في كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب :” وقعة بطرنة 456
وكانت قبلها وقعة بطرنة سنة ست وخمسين وأربعمائة، وذلك أن الفرنج – خذلهم الله تعالى – انتدبت منهم قطعة كثيفة، ونزلت على بلنسية في السنة المذكورة، وأهلها جاهلون بالحرب، مغترون بأمر الطعن والضرب، مقبلون على اللذات من الأكل والشرب، وأظهر الفرنج الندم على منازلتها، والضعف عن مقاومة من فيها، وخدعوهم بذلك فانخدعوا، وأطمعوهم فطمعوا، وكمنوا في عدة أماكن جماعة من الفرسان، وخرج أهل البلد بثياب زينتهم، وخرج معهم أميرهم عبد العزيز بن أبي عامر، فاستدرجهم العدو – لعنهم الله تعالى – ثم عطفوا عليهم فاستأصلوهم بالقتل والأسر، وما نجا منهم إلا من حصنه أجله، وخلص الأمير بنفسه، ومما حفظ عنه أنه أنشد لما أعياه الأمر:
خليلي ليس الرأي في صدر واحد
أشيرا علي اليوم ما تريان
وفي أهل بلنسية يقول بعض الشعراء حين خرجوا في ثياب الزينة والترفه:
لبسوا الحديد إلى الوغى
ولبستم حلل الحرير عليكم ألوانا
ما كان أقبحهم وأحسنكم بها
لو لم تكن ببطرنة ما كانا”
أقول : وهكذا في كل زمان ومكان إذا بذل عدوك أسباب القوة فابذل مثلها أو نظيرها لا أن يصير هو مقبل على تقوية نفسه وأنت مقبل على اللهو والمجون ونظائره فإن لم تترك ذلك لله وخوفاً منه فإن محض المصلحة يدلك على ضرورة ذلك فلا أنفع للناس من البعد عن هذه الأمور والإقبال على الخشونة في أوقات الخطر
وإن من الغفلة أن يكون عدوك يحارب عقيدتك بالتشكيك وبدنك بالسلاح فتقبل على معركة السلاح وتذب عن بدنك وتسعى في أذية بدنه وتغفل عن الذب عن عقيدتك بالبيان وعن حرب عقيدته بنحو مما يحارب به عقيدتك
وأما أن تعينه على حرب عقيدتك بإضعاف حملتها فهذا ليس غفلة بل سفه محض