كتب عباس محمود العقاد في مجلة البيان البرقوقية ناصحاً لولاة الدولة العثمانية قبل سقوطها بالكلية بما يقارب عشرة أعوام وقد كان الحديث عن ضعفها وتآكل سلطانها فاشياً :” فليس للدولة العثمانية إلا خطة واحدة تجري عليها في حكم شعوبها كافة. وهي أن تربط مصلحتهم بمصلحتها وتقيم نفسها محوراً تدور حوله مرافق تلك الشعوب. وإنما يكون ذلك بمد السكك التجارية بين أجزائها وتبادل المعاملات الاقتصادية بين ولاياتها وممالكها. وتصيير عاصمة السلطنة سوقاً عامة للتجارة. ومرجعاً عالياً للعلم والصناعة. وكعبة مقصودة في الخوف والرجاء. والشدة والرخاء. وعليها أن تصرف أبصارهم عن التطلع إلى الخارج سياسياً ومادياً بتعمير داخلها. وبسط الأمن والحرية في أرجائها. حتى يعود درؤها المغير على بلادها ذياداً عن حريتها ورفاهتها. قبل أن يكون ذياداً عن سيادة دولتها”
ثم قال بعدها بأسطر :” وهناك من زعماء العثمانيين من ينظر إلى الخارج أكثر من نظره على الداخل. فهؤلاء همهم الأول الانضمام إلى أحد الجانبين اللذين يتجاذبان النفوذ في أوروبة. ويقولون أنه ليس علينا الآن إلا أن نأمن العدو الأجنبي ثم نطمئن إلى إصلاح بلادنا. كأن تلك الدول ستتولى حراسة التخوم العثمانية بعد انضمام الدولة إليها، ثم تأخذ عن عاتقها مراقبة السياسة الخارجية!!.
نعم إن الأمن من جهة الخارج واجب من أكبر واجبات الدولة ولكن كيف يكون ذلك؟ أبا المحالفة؟
كلا! فإن المحالفة لا تؤكد للدولة إلا عداوة من تخالفه ثم إنها لا تكفل لها صداقة من تحالفه فإن محالفة بين الدولة والدول لا يمكن أن تبرم بميثاق صحيح، لأن قاعدة التحالف بين أوربا لهذا العهد أن تتعاون على ترجيح نفوذها وتغليب كلمتها في المشاكل السياسية. وليست الدولة صاحبة نفوذ في السياسة الدولية فترغب الدول في ودها. فهي إن حالفتها لم تنو إلا أن تأخذ منها ولا تعطيها أو تأخذ أكثر مما تعطي. فيكون التحالف إذن أشبه باتفاق بين السالب والمسلوب، وكلما جادت الدولة بأملاكها كان الإقبال على محالفتها أكثر.
وليعلم العثمانيون أن تلك الدول لا تعضدهم ولا تتخلى عنهم إلا لمصلحتها. فإن عنّ لها وجه المصلحة في تأييدهم نصرتهم سواء كانت معهم أو عليهم. أو عنّ لها وجه المصلحة في التخلي عنهم خذلتهم، سيان المحالف منها والمخالف”