الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فإن الموفق من وفقه الله عز وجل إلى اتباع السلف الصالح في كل صغيرة وكبيرة
، وقد كان للسلف هدي في تصنيف الكتب أود أن أعرض عليه عدد من العادات الدارجة في هذا
العصر
العادة الأولى : العناوين المسجوعة
لم يكن من هدي السلف في القرون الثلاثة الأولى أو الأربعة مراعاة السجع
في العناوين ، وظهر ذلك بعد وتوارد عليه الناس دون نكير غير أنهم يلاحظ في أحوالهم
أمران
الأول : أنهم لم يكونوا يلتزمونه دائماً فابن الجوزي له ( صيد الخاطر
) و ابن القيم له ( الروح )
الثاني : أنه كان خارجاً عن التكلف في غالبه ومطابقاً للمضمون
ككتاب ( الصواعق المرسلة ) اسم على مسمى !
و ( اجتماع الجيوش الاسلامية ) اسم على مسمى !
وهذه العادة وإن لم ننهى عنها على وجه البت والتحريم فلا شك أن هدي السلف
أحسن ، وهذه العادة التي ظهرت في تلك العصور كأنها كغيرها من العادات اليت ظهرت وبعضها
انقرض كتلقب بعضهم ب( شمس الدين ) و ( تقي الدين ) إضافة إلى اسمه وكنيته
فهذه عادة ظهرت في تلك الأعصار ثم انقرضت وما كانت من هدي السلف
وقد قال عمر بن الخطاب ( نهينا عن التكلف ) وكثير من العناوين العصرية
فيها سجع بارد ومتكلف وغير مطابق للمضمون والله المستعان
العادة الثانية : نسبة ما في الكتاب إلى توفيق الله
يكثر في عناوين الكتب المعاصرة والمتأخرة ( فتح العزيز ) و ( فتح الكريم
) و ( توفيق الرحمن )
وما كان هذا من هدي السلف خصوصاً في المسائل الاجتهادية التي لا يجزم فيها
بالصواب فالجزم بأن ذلك من الله عز وجل لا ينبغي
وقد قال ابن مسعود :” سَأَقُولُ فِيهَا بِجَهْدِ رَأْيِي، فَإِنْ
أَصَبْتُ، فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يُوَفِّقُنِي لِذَلِكَ، وَإِنْ أَخْطَأْتُ فمني
“
ولعل الإنسان إذا صنف في التوحيد فقال ( فتح المجيد ) فالأمر مقبول لأن
الأمر التوحيد مجزوم به ولا مثنوية فيه
على أن الكتاب في العادة وإن كان في العقيدة ربما تخلله بعض المسائل التي
يدخلها الاجتهاد فالأولى ألا ينسب ذلك إلى الله عز وجل
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبريدة :” فلا تجعل لهم ذمة الله
وذمة نبيه ، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك ؛ فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم”
والصحابي بعيد عن إخفار الذمة ولكن ذلك احتياط بالغ ألا ينسب لله ورسوله
ما لا يليق
العادة الثالثة : التزام خطبة معينة لاعتقاد فضلها
كثير من الأخوة الحريصين على السنة يلتزمون خطبة الحاجة في ابتداء مقالاتهم
وتصانيفهم لاعتقاد فضلها ، مستفيدين ذلك من بعض الأخبار الواردة في فضل خطبة الحاجة
غير أن السلف الذين رووا هذه الأحاديث ما رأيت أحداً منهم في القرون الفاضلة
افتتح كتاباً له بهذه الخطبة ، ولا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة
أنهم كتبوها في رسالة أرسلوها إلى أحد
ولا بأس ولا شك من كتابتها ولكن البحث في الالتزام
وقوله :” أما بعد إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ
الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ – قَالَ يَحْيَى: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ – وَشَرَّ
الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا”
لم يرد في حديث خطبة الحاجة وإنما ورد في حديث خطبة حجة الوداع والتزام
الجمع بين خطبة الحاجة وهذه الصيغة في كل مناسبة يحتاج إلى دليل ، وخصوصاً وأن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يقل تلك الصيغة إلا في خطبة حجة الوادع ، ولا أرى إشكالاً في
الجمع بينهما في بعض الأحيان غير أن الإشكال في أمر الالتزام
العادة الرابعة : إخراج كتب أهل البدع
كثير من الناس كلما رأى مخطوطاً أمامه أخرجه ولا يبالي بثلاثة أمور مهمة
الأول : كون هذا الكتاب مما تحتاجه الأمة فعلاً ، وكونه مفيداً لا يعني
أن الأمة تحتاجه فإنه قد يكون في السوق ما يغني عنه
الثاني : أن يكون الكتاب خالياً من المخالفات العقدية ، أو يكون فيه شيء
يسير محتمل ينبه عليه ، مع إخراج الكتاب لعظم فائدته
الثالث : أن يكون المصنف ليس من دعاة البدعة فإن هدي السلف أن داعية البدعة
يخمد ذكره ولا يؤخذ عنه العلم كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد كان الإمام
أحمد يكره الكتابة عن أهل الرأي وإن كانوا ثقات ، بل كان يكره الكتابة عمن أجاب في
المحنة مع أن فيهم أئمة
فلا داعي لإخراج كتاب لابن عابدين النقشبندي الطعان في دعوة الإمام المجدد
ولا داعي لإخراج كتاب للسبكي في شاتم الرسول وهو من كبار القبورية الأشعرية
في عصره وشيخ الإسلام له كتاب في المسألة نفسها
ولا داعي لإخراج كتاب لأحمد الزيني دحلان الخبيث في شرح الآجرومية
وعلى هذا فقس
وليتهم يخرجون هذه الكتب ويسكتون بل تراهم يترجمون للمصنف ويطرونه ويعلون
من شأنه من كونه من أعداء دعوة التوحيد والسنة
والعجيب أنه مع العناية بهذه الكتب نجد إهمالاً لبعض الكتب النفيسة كالصفات
لابن المحب الذي لا زال مخطوطاً ، وجزء غلام الخلال في السنة الذي على صغر حجمه وعظم
فائدته ما حقق إلا قبل عام أو عامين
وكثير من المطبوع يحتاج إلى إعادة تحقيق كالحلية والجرح والتعديل وفضائل
القرآن وغيرها كثير
وهناك عادات أخرى كنفخ الكتب وتكرار التصنيف في مسائل فرغ منها أهل العلم
وصنفوا فيها النافع المفيد الواضح ، وغيرها من العادات التي يعلمها عامة طلبة العلم
ويتذمرون منها وإنما أردت التنبيه على ما قد يخفى على البعض
فَإِنْ أَصَبْتُ، فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ وفِّقُنِي لِذَلِكَ، وَإِنْ أَخْطَأْتُ
فمني
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم