طريق إلى الله وليس طريقًا موازيًا!

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

كثير من الناس يعيشون مشكلة ثنائية “الدين” و “الدنيا” على أنهما شيئان متوازيان لكل واحد طريقه، حتى يقول بعضهم “ساعة لربك وساعة لقلبك”.

وبُني على هذا التقسيم فهم كثير من الناس أن التدين يعني الشقاء والعنت، فإذا خاطبه إنسان بالالتزام بالأوامر الشرعية يقول “أريد أن أعيش حياتي”.

مع أن الآية: “مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ“.

هذا التصوُّر الفاسد هو سبب لكثير من الانحرافات العقائدية والسلوكية. والواقع أن النعم المباحة تُغرقنا، ودائرة المباحات في المأكولات والمشروبات والملبوسات أوسع بكثير من دائرة المحرمات، مع كون كثير من المحرمات مستخبثة أصلًا، ولو شاء الله لجعلها متساوية عددًا، ولجعل المحرم ألذ وأنفع من المباح، ولا يكون في ذلك ظلم لأن هناك آخرة وهذا اختبار، ولكنه سبحانه برحمته جعل الأمر على ما نرى. نعم، هناك من النفوس الشقية من تتعلق بالمحرمات لاستيلاء الشيطان، ولكن هذا لا يكون عامًّا في كل بني آدم، ويمكن دفعه بالوعظ أو التعليم.

غير أن الذي تدلُّ عليه النصوص أن النعم المباحة هي طريق إلى الله، بمعنى أنك تشاهد النعمة وتشاهد آثار أسماء الله الحسنى، مثل الوهاب، فتحمد الله وتشكره سبحانه، وتصير عبادتك أعمق مع استحضار هذا المعنى واستحضار تقصيرك (أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي).

وتأمَّل معي قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ“.

أمرَهم بأكل الطيب والعمل الصالح، وكأن الآية جاءت للرد على من يفصل بين الأمرين، فيظن أن الالتذاذ المباح لا علاقة له بالعمل الصالح فـ”ساعة لربك وساعة لقلبك”. والواقع أن ساعة قلبك هي الطريق لساعة ربك، بل أهل اليقظة يتنعَّمون بالمباحات ونفوسهم مستحضرة أن ذلك من آثار إنعام المنعم سبحانه، وهذه شعبة من أحوال أهل الجنة، فعامة لذاتهم لا تنفصل عن استشعار إنعام المنعم، لذا يلهَمون التسبيح كما يُلهَم أحدكم النفس.

ولو فَهِم هذا بعض الناس ما فكَّروا أصلا بترك الدين أو نقض بعض ثوابته لأجل بعض الأطماع الدنيوية، فالدنيا لا تصفو لأحد وليس فيها فردوس، فهي مجرد طريق للآخرة، وأنعم الناس فيها من عرفوا حقيقتها واتخذوها طريقًا لله عز وجل.