طبقات الصُّم

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

من طرائف طرق التصنيف جمع طبقات الزمنى ممن أصيبوا ببعض الأمراض، كما جمع الصفدي طبقات العميان.

وفي ذلك مأخذ حسن، وهو بيان أن هؤلاء الناس مع ما ابتُلوا به ما أيسوا وما قنطوا، بل أقبلوا على الخير تعلُّماً وتعليماً.

وقد لاحظت عند مروري في الطبقات أن عدداً من الأعلام وُصف بـ(الصمم)، وهؤلاء إما ولدوا كذلك، فيكون الناس آنذاك عندهم طريقة للتواصل مع الصُّم البُكم، وإما سمعهم ضعيف فوُصفوا بالصمم تغليباً، وإما أن يكونوا لحقهم الصمم بعدما كبروا، ومع ذلك استمروا بالتعليم وما انعزلوا.

وهذا يدلك على قوة قلب ومثابرة، وهذا من أثر الإيمان، فإن المؤمن تُذلَّل له الصعاب في طلب الأجر، وإذا كان بعض أهل الدنيا يركب الصعاب العظيمة في طلب شيء من هذه الفانية، فطلاب الجنة أولى منهم بذلك.

  1. عيسى بن مِيناء المديني، المعروف بقالون المقرئ (صاحب القراءة المعروف):

    قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»: “وكان أصم، يقرئ القرآن ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة”.

    ثم قال: “سمعت علي بن الحسن الهسنجاني قال: كان قالون عيسى بن ميناء أصم، شديد الصمم، فلو رفعت صوتك حتى لا غاية لم يسمع، وكان يقرأ عليه القرآن، فكان ينظر إلى شفتي القارئ، فيرد عليه اللحن والخطأ”.
  2. هَوذة بن خليفة:

    قال عنه أبو حاتم كما في «الجرح والتعديل»: “كتبنا عنه ببغداد، وكان أصم شديد الصمم، وقال: قال لي أحمد بن حنبل: إِلى من تختلف ببغداد؟ قلت: إلى هوذة بن خليفة، وعفان، فسكت كالراضي بذلك”.
  3. عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن العباس (والد المخلص صاحب المخلصيات):

    قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: “وكان أصم أطروشا. وثقه ابن أبي الفوارس، وورخ موته في رمضان”. وهو من رواة الحديث مع ذلك.
  4. الحاكم أبو سعد بن دوست:

    قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: “أحد أعيان الأئمة بخراسان في العربية. سمع الدواوين وحصلها، وصنف التصانيف المفيدة، وأقرأ الناس الأدب والنحو. وله ديوان شعر. وكان أصم لا يسمع شيئا”.

    وقد قال الباخرزي في «دمية القصر»: “ليس اليوم بخراسان أدب مسموع إلا وهو منسوب إليه متفق بالإجماع عليه وكان أصم أصلخ، يضع الكتاب في حجمه ويؤديه بلفظه، فيسمع ولا يسمع”.
  5. أبو الخير الهروي الحافظ، مولى أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري:

    قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: “كان أصم، غير أنه تعلم ورزق فهم الحديث. وكان حسن السيرة. جميل الأمر، متقنا، متثبتا”.
  6. أبو أحمد الكولي:

    قال السمعاني في «الأنساب»: “منها أبو أحمد عبد الله بن الحسن بن على الكولى الأصم الشيرازي، كان ينزل باب كول، وكان أصم، قرأ الحديث بالجهد، وكان قليل الرواية”.

    قوله: “قرأ الحديث بالجهد” يدل على المثابرة مع ما عنده من صمم، فكم من نعمة نتنعَّم بها ولا نعرف قدرها حتى نرى من فقدها، وكم من مُنعَمٍ عليه بالسمع يقضي وقته في سماع ما لا يرضي الله.
  7. أبو المطرف الأطروش:

    جاء في «طبقات النحويين واللغويين» للإشبيلي: “هو أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن أبي إسماعيل الأسدي الأطروش، كان نحويًّا لغويًّا، فصيح اللسان، شاعرًا مجودًا، وأكثر أشعاره على مذاهب العرب، وله أراجيز فصيحة، وكان أصم أصلخ، فإذا أحب المرء إخباره كتب له في الهواء، أو رمز له بشفتيه، فيفهم ويكتفي بذلك منه”.