من الأمور التي تدعو للأسف جهلنا بالكثير من الشخصيات المحورية في تاريخنا وبعض مواقفها المهمة
وسأضع هنا مثالين:
لما فتح مغيث بن الحارث قرطبة حصل ما ذكر ابن المقري في نفح الطيب :” وذكر الحجاري أنه لما حصل بيده ملك قرطبة وحريمه رأى فيهن جارية كأنها بينهن بدر بين نجوم، وهي تكثر التعرض له بجمالها، فوكل بها من عرض عليها العذاب إن لم تقر بما عزمت عليه في شأن مغيث، وأنه قد فطن من كثرة تعرضها له بحسنها لما أضمرته من المكر في شأنه، فأقرت أنها أكثرت التعرض لتقع بقلبه، إذ حسنها فتان، وقد أعدت له خرقةً مسمومةً لتمسح بها ذكره عند وقاعها، فحمد الله تعالى على ما ألهمه إليه من مكرها، وقال: لو كانت نفس هذه الجارية في صدر أبيها ما أخذت قرطبة من ليلة“
ومغيث هذا أصله رومي وقد رباه عبد الملك بن مروان مع ابنه الوليد فهو رومي الأصل أموي النشأة ، وفِي الواقع كلّف كثير من الرؤوس في الأزمنة المتأخرة بالخمر والنساء ضيع علينا الكثير وجعلنا سهلي الاختراق من أمم لا تكف عن المكر بِنَا ليل نهار
جاء في كتاب المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبدالواحد المراكشي المتوفى عام 647 :” وبنى بمدينة مراكش بيمارستانًا ما أظن أن في الدنيا مثله؛ وذلك أنه تخير ساحة فسيحة بأعدل5 موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه؛ فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخاريف المحكمة ما زاد على الاقتراح؛ وأمر أن يغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياهًا كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسطه، إحداها رخام أبيض؛ ثم أمر له من الفُرُش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره بما يزيد على الوصف، ويأتي فوق النعت. وأجرى له ثلاثين دينارًا في كل يوم برسم الطعام وما ينفق عليه خاصة، خارجًا عما جلب إليه من الأدوية.
وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال؛ وأعد فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم، من جهاز الصيف والشتاء؛ فإذا نقه المريض فإن كان فقيرًا أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل، وإن كان غنيًّا دفع إليه ماله وترك وسببه، ولم يقصره على الفقراء دون الأغنياء، بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج إلى أن يستريح أو يموت.
وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله، يعود المرضى ويسأل عن أهل بيت أهل بيت، يقول: كيف حالكم؟ وكيف القَوَمة عليكم؟ إلى غير ذلك من السؤال، ثم يخرج؛ لم يزل مستمرًّا على هذا إلى أن مات -رحمه الله-.“
الكلام عن يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن عليّ. الملقَّب بالمنصور، أمير المؤمنين أبو يوسف، [المتوفى: 595 هـ]
قال الذهبي في تاريخ الإسلام : “وكان يكسو الفقراء فِي العام، ويختن أولادهم، ويعطي الصَّبيّ دينارًا.
وكان فِي جميع أيّامه مؤثرًا للعدْل بحسب طاقته، وبما يقتضيه إقليمه والأمَّة الّتي هُوَ فيها.
وكان يتولّى الإمامة بنفسه فِي الصَّلَوات الخمس أشهُرًا إِلَى أن أبطأ يومًا عن العصر حتّى كادت تفوت، فخرج وأوسعهم لَوْمًا وقال: ما أرى صلاتكم إلّا لنا، وإلّا فَمَا منعكم أن تقدّموا رجلًا؟ فقد قدم أصحابُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف حين دخل وقت الصلاة، وهو غائب، أما لكم أُسْوَة؟ فكان ذلك سببًا لقطْعه الإمامة.
وكان يقعد للنّاس عامَّةً لا يُحجَب عَنْهُ أحد، حتّى اخْتَصَم إليه رجلان فِي نصف درهم، فقضي بينهما وأمر بضربهما قليلًا، وقال: أما كان فِي البلد حُكَّام قد نُصِبوا لهذا.“
أقول : وهو أول أمراء الموحدين إنكارا لعصمة ابن تومرت ومن قبله كانوا يقولون بها وكان متدينا جدا إلى درجة أنه صنف كتابا في الترغيب والترهيب فهذا العدل العجب من آثار تدينه وتأثره بالأحاديث والآثار وتأمل أنه لما جلس للناس استهانوا به وصاروا يتحاكمون إليه بالسفاسف وهكذا يحصل لكل من جلس للناس وينبغي الصبر على الناس