قال ابن سعد في الطبقات 4997: قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلاَبِيُّ ، وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، قَالَ :
دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ أَصَابَتْهُ قَرْحَتُهُ ، فَقَالَ : هَلُمَّ يَا ابْنَ أَخِي ، تَحَوَّلْ فَانْظُرْ
قَالَ : فَتَحَوَّلَتُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هِيَ قَدْ سَبَرَتْ – يَعْنِي : قَرْحَتَهُ ، فَقُلْتُ : لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَ إِذْ دَخَلَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَاسْتَوْصِ بِهَذَا ، فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَخًا لِي – أَوْ خَلِيلاَّ أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ – غَيْرَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ فِيَ الْقِتَالِ مَا لَمْ يَرَ.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، وأبو موسى الأشعري والد أبي بردة كان قد قاتل مع علي كما لا يخفى ، ومع ذلك بقي معاوية محباً حافظاً لوده رضي الله عنهم أجمعين ، وتأمل ذاك الأدب الجم في قول معاوية (غَيْرَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ فِيَ الْقِتَالِ مَا لَمْ يَرَ ) ولم يقل ( ضل ) أو ( هلك ).
قال ابن أبي شيبة في المصنف 16617: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ , عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ , عَنِ أَبِي الْوَضِيء
أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ بنتا لَهُ ابْنَةَ مَهِيرَةٍ فَزَوَّجَهُ وَزَفَّ إلَيْهِ ابْنَةً لَهُ أُخْرَى بنت فَتَاة فَسَأَلَهَا الرَّجُلُ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا : ابْنَةُ مَنْ أَنْتِ ؟ قَالَتْ : ابْنَةُ الفَتَاةَ تَعْنِي فُلاَنَةَ
فَقَالَ : إنَّمَا تَزَوَّجْت إلَى أبيك ابنته ابْنَةِ الْمَهِيرَةِ فَارْتَفَعُوا إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , فَقَالَ : امْرَأَةٌ بِامْرَأَةٍ وَسَأَلَ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ , فَقَالَ : امْرَأَةٌ بِامْرَأَةٍ , فَقَالَ الرَّجُلُ : لمُعَاوِيَةُ ، ارْفَعْنَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
فَقَالَ : اذْهَبُوا إلَيْهِ فَأَتَوْا عَلِيًّا فَرَفَعَ عَلِيٌّ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا , فَقَالَ : الْقَضَاءُ فِي هَذَا أَيْسَرُ مِنْ هَذَا ، لِهَذِهِ مَا سُقْتَ إلَيْهَا بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَعَلَى أَبِيهَا أَنْ يجهز الأُخْرَى بِمَا سُقْتَ إلَى هَذِهِ وَلاَ تَقْرَبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ هَذِهِ الأُخْرَى ، قَالَ : وَأَحْسَبُ أَنَّهُ جَلَدَ أَبَاهَا ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْلِدَهُ.
أقول : إسناده قوي وفيه أن معاوية كان يحيل على علي في أمر القضاء، بل أعجب من ذلك أنه كان يرسل يستفتيه فيما أشكل مع ما كان بينهم.
قال عبد الرزاق في المصنف 17915 – عبد الرزاق عن بن جريج والثوري قالا أخبرنا يحيى بن سعيد قال سمعت بن المسيب يقول:
إن رجلا من أهل الشام يدعى جبيرا وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلهما
قال الثوري فقتله وأن معاوية رضي الله عنه أشكل عليه القضاء فيه فكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يسأل له عليا عن ذلك فسأل عليا فقال ما هذا ببلادنا لتخبرني
فقال إنه كتب إلي أن أسألك عنه فقال أنا أبو حسن القرم يدفع برمته إلا أن يأتي بأربعة شهداء
وهذا أيضاً سند صحيح على شرط الشيخين وتأمل ورع معاوية كيف أنه لم يقض برأيه في المسألة ، بل آثر استفتاء رجل كان بينه وبينه قتال على أن يقضي في المسألة برأيه.
وقال ابن سعد في الطبقات 6723- قال : أخبرنا الفضل بن دكين قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : كان معاوية وكان وكان ، وما رأينا بعد مثله . قال أبو بكر : ما ذكر عُمَر بن عبد العزيز.
الفضل بن دكين هذا شيعي وأبو إسحاق السبيعي شيعي ( على التشيع القديم الذي لا سب فيه ولا حط على الشيخين ) ومع ذلك مدح معاوية بهذا المدح فقوله ( كان وكان ) يعني المدح بدليل قول أبي بكر ( ما ذكر عُمَر بن عبد العزيز).
وهذا تفضيل صريح من أبي إسحاق على تشيعه لمعاوية على عمر بن عبد العزيز في أمر الحكم ، وإنما التبس الأمر على بعض الناس لأن معاوية جاء بعد الراشدين فعدله ما كان ظاهراً ذاك الظهور لأن الناس يقارنونه بالراشدين ، وأما عمر بن عبد العزيز فجاء بعد خلفاء بني أمية ، وقد وقع من بعضهم ظلم وتجاوزات فكان عدل عمر بن عبد العزيز ظاهراً جداً لأنه جاء بعدهم.
وقال البخاري 6615 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خَلْفَ الصَّلَاةِ فَأَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خَلْفَ الصَّلَاةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدَةُ أَنَّ وَرَّادًا أَخْبَرَهُ بِهَذَا ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ.
فتأمل حرصه على نشر السنة.
وقال ابن سعد في الطبقات 6709- قال : أخبرنا يحيى بن حماد قال : أخبرني شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن معبد الجهني قال : كان معاوية لا يكاد يحدث عن النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم شيئا .
قال : وكان لا يكاد يدع هؤلاء الكلمات أن يقولهن يوم الجمعة على المنبر عن النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : أن الله إذا أراد بعبد خيرا يفقهه في الدين ، وأن هذا المال حلو خضر ، من يأخذه بحقه يبارك له فيه ، وإياكم والتمادح ؛ فإنه الذبح.
فتأمل قوله ( لا يكاد يحدث ) وما فيه من الدلالة على ورعه.
و قال ابن سعد في الطبقات 6722- قال : أخبرنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن ابن منبه قال : سمعت ابن عباس يقول : ما رأيت رجلا كان أخلق للملك من معاوية ، إن كان الناس ليردون منه على أرجاء واد رحب ، ولم يكن بالضيق الحصر العُصْعُص.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين فهذه شهادة حبر الأمة وترجمان القرآن في ملك معاوية، وله شهادة أخرى في فقهه.
قال البخاري 3765 – حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ قَالَ أَصَابَ إِنَّهُ فَقِيهٌ
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم