سلامة العقيدة تطييب للعيش ونجاة في الآخرة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

سلامة العقيدة تطييب للعيش ونجاة في الآخرة

قال الخطيب البغدادي في تاريخه في ترجمة إبراهيم بن إسحاق الحربي: “حدثنا عبد العزيز بن علي الوراق، حدثنا علي بن عبد الله بن جهضم الهمذاني، حدثنا الخالدي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن خالد بن ماهان- ويعرف بابن أسد- قال: سمعت إبراهيم بن إسحاق يقول: أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه“.

أقول: ابن جهضم في هذا السند متهم بالوضع، وقد نقل الشوكاني هذا الخبر في كتابه «قطر الولي» بتصرف في متنه، واشتهر نقل الشوكاني ونُسي الأصل عند جماعة من أهل العلم.

ومع كون الأثر فيه مشكلة إسنادية إلا أنه سليم المعنى تماماً، سواءً عزوناه إلى إبراهيم الحربي أو إلى ابن جهضم أو أيّاً كان، والحكمة ضالة المؤمن.

فحقاً من لم يجرِ مع القدر لم يتهنأ في عيشه.

والمقصود بالجريان مع القدر: الإيمان به، وتسلية النفس عند وقوع المصائب بأمر القدر وتذكُّر كفاراتها، وهذا عمر -رضي الله عنه- لمَّا طُعن تلا قوله تعالى: {وكان أمر الله قدراً مقدوراً} (رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» وعبد الله بن أحمد في «السنة»).

فاليوم أكثر ما يكدر حياة الناس: الوسواس في أمر الرزق؛ وكثرة لوم النفس على فوات حظ من الدنيا؛ أو أخطاء يكفي منها الاستغفار ثم المضي في الحياة، حتى إن كثيراً من الناس لا يرى لنفسه حقاً بالفرح بأي نعمة من فضل الله عليه؛ من كثرة ما يلوم نفسه عن قصوره عن المقام الكامل الذي في نفسه.

قال الطبري في تفسيره: “وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة، وذلك أن من قنّعه الله بما قسم له من رزق لم يكثُر للدنيا تعبه، ولم يعظُم فيها نصبه ولم يتكدر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرصه على ما لعلَّه لا يدركه فيها“.

وليس معنى هذا أن المرء لا يسعى إلى الخير، بل يسعى؛ ولكن يشاهد دائماً فضل الله عز وجل أكثر من عمله، هذا في أمر الآخرة.

وأما في أمر الدنيا: فيعلم أنها أرزاق مقسومة، ورُبَّ محسود في الدنيا على ما عنده مشفَق عليه في الآخرة من كثرة آثامه، ورُبَّ مبتلى في الدنيا مشفَق عليه، مغبوط في الآخرة على عظيم فضل الله عليه.

ثم إن الرزق في الدنيا ليس محصوراً بما نرى، فالعلم؛ والصحة؛ وسكينة النفس؛ والقبول وغيرها: أرزاق من الله عز وجل، ولا أحد يكمُل له الأمر وكأنه في جنة في الدنيا.

ومن طيب العيش: أن يعلم المرء أن للمصيبة أجراً وأن هناك لقاءً مع الأحبة في الآخرة، وأن هناك عوضاً عن كل ما فات إن احتسب المرء.

ومن طيب العيش: أن يكون للمرء عبودية في السراء أن يشكر، وفي الضراء أن يصبر، وإذا أذنب أن يستغفر، فيكون له فعل حسن على كل حال، تطمئن به نفسه وتسكن من القنوط والجزع.

الاعتقاد الصحيح له أثر طيب على النفس، وأثره يكون تارة بإزالة العوائق التي توجد في الاعتقادات الفاسدة، وتارة يكون بإضافة على المعاني الطيبة.

قال ابن القيم في «مدارج السالكين» [٣-١٧٥٠]: “قال شيخنا -رضي الله عنه- (يعني ابن تيمية): ولذلك لا يصح التوكل ولا يُتصوّر من فيلسوف، ولا من القدرية النفاة القائلين بأنه يكون في ملكه ما لم يشأ، ولا يستقيم أيضاً من الجهمية النفاة لصفات الرب، ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات.
فأيّ توكل لمن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالم، ولا هو فاعل باختياره ولا له إرادة ومشيئة، ولا يقوم به صفة؟! فكل من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف: كان توكله أصح وأقوى
“.

والتوكل: من طيب العيش، ففيه من سكينة الفؤاد وقلة الهم ما فيه.