زهد معاوية بن أبي سفيان بالمدح مع بذله أسبابه

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

زهد معاوية بن أبي سفيان بالمدح مع بذله أسبابه

قال المعلمي في الأنوار الكاشفة:
((ذكر عن أئمة السنة إسحاق بن راهوية وأحمد بن حنبل والبخاري والنسائي، ثم ابن حجر، ما حاصله: أنه لم يصح في فضل معاوية حديث!
أقول: هذا لا ينفي الأحاديث الصحيحة التي تشمله وغيره، ولا يقتضى أن يكون كل ما روي في فضله خاصة مجزوماً بوضعه. وبعد ففي القضية برهان دامغ لما يفتريه أعداء السنة على الصحابة وعلى معاوية وعلى الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث، وعلى أئمة الحديث، وعلى قواعدهم في النقد.
أما الصحابة رضي الله عنهم ففي هذه القضية برهان على أنه لا مجال لاتهام أحد منهم بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن معاوية كان عشرين سنة أميراً على الشام وعشرين سنة خليفة، وكان في حزبه وفيمن يحتاج إليه جمع كثير من الصحابة منهم كثير ممن أسلم ويوم فتح مكة أوبعده وفيهم جماعة من الأعراب وكانت الدواعي إلى التعصب له والتزلف إليه متوفرة فلو كان ثم مساغ لأن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أحد لقيه وسمع منه مسلماً لأقدم بعضهم على الكذب في فضل معاوية وجهر بذلك أما أعيان التابعين فينقل ذلك جماعة ممن يوثقهم أئمة السنة فيصح عندهم ضرورة. فإذا لم يصح خبر واحد ثبت صحة القول بأن الصحابة كلهم عدول في الرواية وأنه لم يكن منهم أحد مهما خفت منزلته وقوي الباعث له محتملاً منه أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وأما معاوية فكذلك، فعلى فرض أنه كان يسمح بأن يقع كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ما دام في فضيلة له وأنه لم يطمع في أن يقع ذلك من أحد غيره ممن له صحبة، أو طمع ولكن لم يجده ترغيب ولا ترهيب في حمل أحد منهم على ذلك فقد كان في وسعه أن يحدث هو عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد حدث عدد كبير من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضائل لأنفسهم وقبلها منهم الناس ورووها وصححها أئمة السنة.
ففي تلك القضية برهان على أن معاوية كان من الدين والأمانة بدرجة تمنعه من أن يفكر في أن الكذب أو يحمل غيره على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم مهما اشتدت حاجته إلى ذلك. ومن تدبر هذا علم أن عدم صحة حديث عند أهل الحديث في فضل معاوية أدل على فضله من أن تصح عندهم عدة أحاديث)).

أقول: هذه حجة حسنة علماً أنه ثبت في فضل معاوية بعض الأخبار عند عدد من الناس ولكنها قليلة ولا تقارن بالمنسوب في فضل علي بن أبي طالب مثلاً، ولا شك أن فضل الصحبة ثابت لمعاوية رضي الله عنه بالجملة.

ويضاف إلى ما ذكره المعلمي ما رواه أحمد وابن ماجه عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إياكم والتمادح فإنه الذبح».

أقول: قد كان معاوية أميراً جواداً حليماً ومثل هذا تتشوف نفوس الشعراء لمدحه طمعا في نواله وكثير من فضلاء العرب في الجاهلية ما كانوا يجودون ويحلمون إلا طلباً لمدائح الشعراء

وقد كان معاوية قليل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع قلة حديثه حدث بهذا الحديث على المنبر ينهى الناس عن المدح مع أن أمثاله من أهل الكرم والحلم كانوا أطلب الناس للمدح في الجاهلية خصوصاً إذا كان بينهم وبين غيرهم منافسة فإنهم يزيد طلبهم للمدح لأن ذلك يكون من ضمن دعايتهم عند التنافس ومع ذلك زهد رضي الله عنه بهذا وحدث بهذا الحديث.