إلى ذلك الغريب الذي جردوه من أسلافه وساداته الذين أحبهم وجرد اتباعهم وانتحلوهم هم ، ثم حاربوا بقيتهم فيه بذلك الانتحال الزائف فخيمت عليك الحيرة وكم مرة ضاق صدرك ولم ينطلق لسانك
أعلم أنني لو شئت أن أبكيك لأبكيتك فأنت دائماً على شفير العبرة ولكن تعزى بربك الذي وحدته
أعلم أنه يتجاذبك داعيان داعي الحنق على أولئك الذين ما أنصفوا وتغنوا بالإنصاف ودلسوا وضللوا وكذبوا وتناقضوا وغالطوا ، وداعي الشفقة على أولئك الذين حرموا من المنبع العتيق الصافي بسببهم ، ثم يعود مشفقاً على أولئك الذين حنقت عليهم أولاً فأنت لست معصوماً ومثقل بالذنوب فترجو رحمة الله وتستحي ألا ترجوها لمن لا زال مسلما مثلك وإن كان منه في حقك ما كان فأنت دائماً تتجاذبك هذه الدواعي وتجدد عليك أشجانا تجعلك كما قلت على شفير العبرة
أعلم أنه حتى ثوب الغربة استغلي عليك ونازعوك فيه وغلبوك عليه ولم تزل مغلوباً ولا بد لك من يوم غلبة
وأنت في هذه الغمرات وقد غمرك تألي الجهال وتألم الفضلاء حتى صار لك من ذلك قوت يومي لا يتخلله صيام أبداً
تذكر !
أنت في شبابك ولك أخوة وأعوان وإن ضعفت أسبابهم ولك أسلاف تتسلى بسيرتهم ونالك من البلاء ما نالك ولكن يهون أمام ذاك المبارك الذي ما وطيء الثرى خير منه صلى الله عليه وسلم
مكث أربعين عاماً مع قومه على صفاء ثم شافههم بدعوة الحق والنهي عن الباطل المحض الذي به يتخوضون فعاداه القريب قبل البعيد وما والاه إلا قلة في باديء
وإنك أيها الغريب تكون لك أخوة مع بعضهم سنوات معدود فيصارمك على حق تقوله فيرى أثر ذلك فيك ، فكيف بمن يصارمه عامة قومه وقد مكث أربعين عاماً معهم على صفاء ومن يقوم معه يرى أذيته بعينه
وإنك أيها الغريب يضيق صدرك بالمغالطة والقياس الفاسد وتعظيم الشيوخ على الحق في أمور يدخلها الاحتمال عند العوام وقليلي العلم ، وذاك الذي أرواح المؤمنين طراً له الفداء يجادلونه في حجارة يعبدونها ويسيئون إليه أعظم الإساءة ولا يسلم من شرهم إلا بمنيع ويدمغهم بالحجج العظام فلا يزيد أكثرهم إلا عتواً ونفوراً وكله صبر وحلم ويقين حتى أنه لما ظفر بهم ما انتقم وقد وتروه خيارًا من أحبابه وأصحابه قتلا أو أماتوهم صبرا وكمدًا
ثم يهاجر من داره ويجرد قومه له السيف فيطاعن الأخوال والأعمام وزيادة على ذلك مكر اليهود وغدرهم وخبث المنافقين يحيطه من كل جانب ، وقلبه مليء بالشفقة على كل من اتبعه مما يجدون من العنت ولكن لما كان موقناً بالخلف من الله في الدنيا والآخرة ثبت وقد كان النصر كما وعد الله ولعمري التدبر بهذا لوحده يملأ القلب يقيناً بصدقه ولكن هذا معنى لا يخبره تمام الخبر أو قريب التمام إلا مثلك يا غريب
عسى أن يريك خيراً أو يتحفك بتحفة المؤمن في أثر مسروق وتخرج حاجتك من صدرك إلى العيان وقد طال سجنها فيه وفي يوم الصدق لن يكونوا قادرين على انتحال أسلافك من دونك بإذن الله أنت تحت لواءهم وترجو بركة صحبتهم وإن كنت لا تليق بهم ولكنهم كرام والله أكرم منك وما أنت إلا متخوض في نعم الله من كل جانب وحسبك بمعرفتهم واتباعهم نعمة