جاء في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي :” السنة الثامنة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس وأربعين وأربعمائة.
فيها وقف طغرلبك السّلجوقي على مقالات الأشعري، وكان طغرلبك حنفيّا، فأمر بلعن الأشعري على المنابر، وقال: هذا يشعر بأن ليس لله في الأرض كلام.
فعزّ ذلك على أبى القاسم القشيري ، وعمل رسالة سمّاها «شكاية أهل السّنّة ما نالهم من المحنة» . ووقع بعد ذلك أمور، حتّى دخل القشيرىّ وجماعة من الأشعريّة إلى السلطان طغرلبك المذكور وسألوه رفع اللّعنة عن الأشعري. فقال طغرلبك:
الأشعرىّ عندى مبتدع يزيد على المعتزلة، لأنّ المعتزلة أثبتوا أنّ القرآن في المصحف وهذا نفاه”
طغربلك هذا هو الذي له الفضل في الإجهاز تماماً على الدولة البويهية والعجيب أن بعض الأشاعرة ينسبون هذا الرجل لهم على عادتهم في نسبة أي رجل تجهل عقيدته لهم
وما قاله مؤسس الدولة السلجوقية قرره أيضاً ابن تيمية وابن القيم وتبعهما عليه ابن أبي العز شارح الطحاوية فهم جميعاً يرون مقالة الأشاعرة في القرآن شرا من مقالة المعتزلة
قال شيخ الإسلام كما في مجموعة الرسائل والمسائل (3/91) :” فإن هذا القرآن العربي لا بد له من متكلم تكلم به أولاً قبل أن يصل إلينا، وهذا القول يوافق قول المعتزلة ونحوهم في إثبات خلق القرآن العربي، وكذلك التوراة العبرية، ويفارقه من وجهين: أحدهما أن أولئك يقولون أن المخلوق كلام الله وهم يقولون إنه ليس كلام الله لكن يسمى كلام الله مجازاً هذا قول أئمتهم وجمهورهم، وقال طائفة من متأخريهم: بل لفظ الكلام يقال على هذا وهذا بالاشتراك اللفظي، لكن لفظ هذا الكلام ينقض أصلهم في إبطال قيام الكلام بغير المتكلم به، ومع هذا لا يقولون أن المخلوق كلام الله حقيقة كما يقولوه المعتزلة مع قولهم أنه كلام حقيقة، بل يجعلون القرآن العربي كلاماً لغير الله وهو كلام حقيقة، وهذا شر من قول المعتزلة وهذا حقيقة قول الجهمية، ومن هذا الوجه نقول: المعتزلة أقرب، وقول الآخرين هو قول الجهمية المحضة، لكن المعتزلة في المعنى موافقون لهؤلاء وإنما ينازعونهم في اللفظ الثاني أن هؤلاء يقولون: لله كلام هو معنى قديم قائم بذاته والخلقية يقولون لا يقوم بذاته كلام، ومن هذا الوجه الكلابية خير من الخلقية في الظاهر، لكن جمهور الناس يقولون إن أصحاب هذا القول عند التحقيق لم يثبتوا كلاماً له حقيقة غير المخلوق”
وجاء في مختصر الصواعق المرسلة ص524 :” وَيَعْجَبُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ نَصْبِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ: مَا نُثْبِتُهُ نَحْنُ مِنَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا تُنَازِعُنَا فِي ذَلِكَ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّا نَحْنُ نُسَمِّيهِ كَلَامًا وَهُمْ يُسَمُّونَهُ عِلْمًا وَإِرَادَةً، وَأَمَّا هَذَا النَّظْمُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي هُوَ حُرُوفٌ وَكَلِمَاتٌ، وَسُوَرٌ وَآيَاتٌ، فَنَحْنُ وَهَمَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، لَكِنْ هُمْ يُسَمُّونَهُ قُرْآنًا، وَنَحْنُ نَقُولُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ أَوْ حِكَايَةٌ عَنْهُ.
فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْأُخُوَّةَ الَّتِي بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ زَادُوا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي التَّعْطِيلِ فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا: هَذَا الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ هُوَ الْقُرْآنُ حَقِيقَةً لَا عِبَارَةً عَنْهُ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَإِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ”
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية معلقاً على مقالتهم : بل هم في ذلك أكفر من المعتزلة ، فإن حكاية الشيء بمثله وشبهه . وهذا تصريح بأن صفات الله محكية.