فإن تعريف الصحابي ( من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على
ذلك وإن تخللت ذلك ردة )
وقد ظن بعض الناس أن ذا الخويصرة التميمي رأس الخوارج كان صحابياً لأنه
رأى النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا الظن ليس بصحيح لأنه محكوم بنفاقه وإليك الأدلة على ذلك
قال البخاري في صحيحه 6933 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ
جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ اعْدِلْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَالَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا
يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ يَمْرُقُونَ
مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ فِي قُذَذِهِ فَلَا
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ
يُنْظَرُ فِي رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَضِيِّهِ فَلَا
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ
أَوْ قَالَ ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ
يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَشْهَدُ سَمِعْتُ
مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَهُمْ
وَأَنَا مَعَهُ جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَنَزَلَتْ فِيهِ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي
الصَّدَقَاتِ }
وقوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) إنما نزل
في أهل النفاق
قال ابن كثير في تفسيره (4/164) :” يقول تعالى: { وَمِنْهمْ } أي
ومن المنافقين { مَنْ يَلْمِزُكَ } أي: يعيب عليك { فِي } قَسْم { الصَّدَقَاتِ } إذا
فرقتها، ويتهمك في ذلك، وهم المتهمون المأبونون، وهم مع هذا لا ينكرون للدين، وإنما
ينكرون لحظ أنفسهم؛ ولهذا إن { أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا
إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } أي: يغضبون لأنفسهم.
قال ابن جُرَيْج: أخبرني داود بن أبي عاصم قال: أتي النبي صلى الله عليه
وسلم بصدقة، فقسمها هاهنا وهاهنا حتى ذهبت. قال: ووراءه رجل من الأنصار فقال: ما هذا
بالعدل؟ فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة في قوله: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ }
يقول: ومنهم من يطعن عليك في الصدقات. وذُكر لنا أن رجلا من [أهل] البادية حديثَ عهد
بأعرابية، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا وفضة، فقال: يا محمد، والله
لئن كان الله أمرك أن تعدل، ما عدلت. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “ويلك
فمن ذا يعدل عليك بعدي”. ثم قال نبي الله: “احذروا هذا وأشباهه، فإن في أمتي
أشباه هذا، يقرءون القرآن لا يجاوز تَرَاقيَهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا
فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم”. وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان
يقول: “والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئا ولا أمنعكموه، إنما أنا خازن”.
وهذا الذي ذكره قتادة شبيه بما رواه الشيخان من حديث الزهري، عن أبي سلمة
عن أبي سعيد في قصة ذي الخُوَيصرة -واسمه حُرْقوص -لما اعترض على النبي صلى الله عليه
وسلم حين قسم غنائم حنين، فقال له: اعدل، فإنك لم تعدل. فقال: “لقد خِبتُ وخسرتُ
إن لم أكن أعدل”. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه مقفيا إنه يخرج
من ضِئْضِئ هذا قوم يحقرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين
مُرُوق السهم من الرَّمِيَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء”
وذكر بقية الحديث”
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول ص357 :” من ثبت نفاقه وزندقته
أن يستتاب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل ولم يبلغنا أنه استتاب واحدا بعينه منهم فعلم أن
الكفر والردة لم تثبت على واحد بعينه ثبوتا يوجب أن يقتل كالمرتد ولهذا كان يقبل علانيتهم
ونكل سرائرهم إلى الله فإذا كانت هذه حال من ظهر نفاقه بغير البينة الشرعية فكيف حال
من لم يظهر نفاقه؟ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: “إني لم أومر أن أنقب عن قلوب
الناس ولا أشق بطونهم” لما استؤذن في قتل ذي الخويصرة “
فمثل به شيخ الإسلام على من ظهر نفاقه بغير بينة شرعية توجب قتله ، وقد
ادعى بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم عذره بجهله وهذا سبب عدم قتله وهذا
بعيد من وجوه
الأول : أنه لو كان معذوراً لما نزلت فيه الآية
الثاني : لو كان معذوراً لما كان رأس الخوارج فيما بعد
الثالث : أنه لم يذكر عنه رجوع أو استغفار بعد أن بين له النبي صلى الله
عليه وسلم
وقال شيخ الإسلام في الصارم المسلول :” فمن كان يعتقد أن النبي صلى
الله عليه وسلم جائر في قسمه يقول إنه يفعلها بأمر الله فهو مكذب له ومن زعم أن يجور
في حكم أو قسمة فقد زعم أنه جائر وأن إتباعه لا يجب وهو مناقض لما تضمنته الرسالة من
أمانته ووجوب طاعته”
وقد صرح ابن حزم جليا بتكفيره
قال ابن حزم في الفصل (1/412) :” وأيضاً فقد صح عن النبي صلى الله
عليه وسلم عظيم إنكاره على ذي الخويصرة لعنه الله ولعن أمثاله إذ قال الكافر اعدل يا
محمد إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك
من يعدل إذا أنا لم أعدل”
قال ابن حجر في الإصابة (1/337) :” ذو الخويصرة التميمي – ذكره بن
الأثير في الصحابة مستدركاً على من قبله ولم يورد في ترجمته سوى ما أخرجه البخاري من
حديث أبي سعيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم ذات يوم قسماً فقال
ذو الخويصرة – رجل من بني تميم: يا رسول الله اعدل فقال: ” ويلك ومن يعدل إذا
لم أعدل ” ؟ الحديث.
وأخرجه من طريق تفسير الثعلبي ثم من طريق تفسير عبد الرزاق كذلك ولكن قال
فيه: إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير فذكره.
قلت: ووقع في موضع آخر في البخاري فقال: عبد الله بن ذي الخويصرة وعندي
في ذكره في الصحابة وقفة وقد تقدم في الحاء المهملة.”
فأفاد أنه لم يسبق أحد ابن الأثير إلى ذكره في الصحابة ، وقال ابن حجر
( عندي في ذكره في الصحابة وقفة)
وللفائدة ليس كل من يذكره ابن حجر في الإصابة صحبته ثابتة بل هو قسم كل
حرف إلى ثلاثة أقسام ومن ذكرهم في القسم الثالث فهم الذين لا تصح صحبتهم وقد ذكر ذا
الخويصرة في القسم الثالث
وقال مسلم في صحيحه 2413- [142-1063] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ
بْنِ الْمُهَاجِرِ ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ ،
وَفِي ثَوْبِ بِلاَلٍ فِضَّةٌ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقْبِضُ مِنْهَا ، يُعْطِي النَّاسَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اعْدِلْ ، قَالَ
: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ
إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
: دَعْنِي ، يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ : مَعَاذَ
اللهِ ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي ، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ
يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا
يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
فعمر حكم عليه بأنه منافق والنبي صلى الله عليه وسلم إنما درأ قتله ولم
ينكر وصفه بالنفاق ، وحتى لو كان هذا المرء غير ذي الخويصرة فإن كلمتهما واحدة
وقد ذكر الإمام أحمد رواية مصرحة بأن ذا الخويصرة هو الذي وصفه عمر بن
الخطاب بالنفاق
قال الامام أحمد رحمه الله (7038): ثنا يعقوب ثنا أبي عن بن إسحاق حدثني
أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحرث بن نوفل
صلى الله عليه وسلم قال خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو
بن العاصي وهو يطوف بالبيت معلقا نعليه بيده فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه
و سلم حين يكلمه التميمي يوم حنين قال نعم أقبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة
فوقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يعطي الناس قال يا محمد قد رأيت ما صنعت
في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت قال
فغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال ويحك ان لم يكن العدل عندي فعند من يكون
فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ألا نقتله قال لا دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون
في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ثم في
القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم))
وقد حسن الوادعي هذه الرواية في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
هذا ما استطعت جمعه في المسألة والله الهادي للصواب .
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم