قال الشيخ صالح العصيمي في أحد شروحه :” العبادة: (تُعرّفُ باعتبار حقيقتها): امتثال
خطاب الشرع المقْتَرن بالخضوع والمحبة، وعُبّر بالخضوع بدل الذل؛ لثلاثة أمور:
1_ اقتفاء الدليل الشرعي؛ كما في الصحيح عن أبي هريرة: (ضربت الملائكة
بأجنحتها خَضَعانا لقوله)، ولا يُقال بأن فعلهُم هذا قدريٌ كوني؛ لأن أعمال الملائكة
قدرية شرعية، لا: قدرية كونية، كما قال تعالى: ()، وكذلك: ففي قنوت عمر الذي رواه البيهقيُّ
بسند صحيح: (ونؤمن بك، ونخضع لك). وأما (الذل) فإنه كونيٌ.
2_أن الذل ينطوي على إجبار دون اختيار، فـ(الذل) أمرٌ كونيٌ لا شرعيٌ.
3_أن (الذل) يتضمن تحقيرا لا يليق بالعبادة” انتهى كلامه
أقول:
في هذا مخالفة لإجماع أهل اللغة وأهل العلم
والخضوع هو الذل فلا داعي للفلسفة
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين (1/18) :” خضع: الخُضُوعُ:
الذُّلُّ والاستِخذَاءُ. والتَّخاضُعُ: التَّذَلُّلُ والتَّقاصُرُ”
قال الجوهري في الصحاح (1/440) :” تقول: عَبْدٌ بيِّن العُبُودَةِ
والعُبودِيَّةِ. وأصل العُبودِيَّةِ الخضوعُ والذلُّ. والتعبيدُ: التذليلُ”
وقال ابن دريد في جمهرة اللغة :” وقد سَمَّت العرب أعْبَد ومَعْبَداً
وعُبَيدة وعَبْداً وعُبادة وعَبّاداً وعُباداً. وكل هذا مشتق من التذلّل إلاّ عُبادة
فإنك مشتقّ من الأنَفَة.
وتعبَّدت للرجل، إذا تذلَّلت له. وعبود: موضع أو اسم رجل. وعَبْدان اسم
رجل. قال الشاعر:
يا بني المنذر بن عَبْدانَ والبِط … نَةُ مما تُسَفّه الأحلاما”
ولم يعترض أحد من أهل العلم على هذا التعريف اللغوي ولم يقل أحد أن ( الذل
لا يليق ) هذا قول لا ينبغي فإن الذل لله عز وجل ينبغي وينبغي
قال الطبري في تفسيره (18/376) :” القول في تأويل قوله تعالى: {وَعَنَتِ
الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) }
يقول تعالى ذكره: استرّت وجوه الخلق، واستسلمت للحيّ القيوم الذي لا يموت،
القيوم على خلقه بتدبيره إياهم، وتصريفهم لما شاءوا، وأصل العنو الذلّ، يقال منه: عنا
وجهه لربه يعنو عنوا، يعني خضع له وذلّ”
وقد قال الله تعالى (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ)
قال الطبري في تفسيره (17/ 419) : حدثنا نصر بن عليّ، قال: أخبرني عمر
بن شقيق، قال: سمعت عاصما الجحدري يقرأ(وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)
قال: كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذَلولا.
فإذا كان الرجل يذل لوالديه أفلا يذل لرب العالمين ؟!
وقوله ( التذلل ) يتضمن إجباراً , لا حقيقة له فهذا أمر بالتذلل اختياري
،
قال ابن تيمية في رسالة (العبودية): «العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل،
ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له»
وقال شيخ الإسلام كما في جامع الرسائل (2/86) :” و ” الحنيفية
” هِيَ الاسْتقَامَة بإخلاص الدَّين لله وَذَلِكَ يتَضَمَّن حبه تَعَالَى والذل
لَهُ لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا لَا فِي الْحبّ وَلَا فِي الذل فَإِن الْعِبَادَة تَتَضَمَّن
غَايَة الْحبّ بغاية الذل وَذَلِكَ لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا الله وَحده وَكَذَلِكَ الخشية
وَالتَّقوى لله وَحده والتوكل على الله وَحده “
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان :” فإن العبادة تتضمن غاية الحب
بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا لله عز وجل وحده”
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم :” لأنَّ السؤال فيهِ إظهار الذلِّ
من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار ، وفيه الاعترافُ بقدرةِ المسؤول على دفع هذا
الضَّرر ، ونيل المطلوب ، وجلبِ المنافع ، ودرء المضارِّ ، ولا يصلح الذلُّ
والافتقار إلاَّ لله وحدَه ؛ لأنَّه حقيقة العبادة”
وقال ابن الجوزي في مشكل الصحيحين (1/206) :” وَالْمرَاد من الْعِبَادَة
الذل للمعبود”
فهذا كلام أهل العلم وأهل اللغة ولم يخالفهم أحد فاعتراض العصيمي محدث
وفيه شقشقة لا تنبغي .
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم