دعاوى السكوت عن الطاعنين في الدين

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الأستاذ محمد أحمد الغمراوي في مقال له بعنوان أما لهذا الليل من آخر؟ نشر في مجلة الرسالة قبل أكثر من ستين عاماً وفيه رد على توفيق الحكيم :” لكن لعل أعجب ما في مقال الأستاذ الحكيم جعله متانة الإسلام وثبوته على أحداث الزمان وسيلة إلى استئناس الناس لاستماع الطعن فيه بحجة أنه لا خطر على الإسلام من طعن الطاعنين؛ فإذا أبى الناس أن يستمعوا الطعن طاعن وغضبوا لدينهم عد ذلك الغضب منهم فزعاً، وقال هذا الفزع أكبر سبة لديننا العريق العميق. هذا غريب من القول وعجيب من الاستدلال. إن الإسلام متين ثابت حقاً، لكن متانته وثبوته لا يمكن عند المنطق السليم أن يكونا مبرراً لترك خصومة يعملون المعاول فيه اتكالاً على أنها لا تضره. إنها لا تضر مبادئه وأصوله في ذاتها ولكنها تضره في نفوس أهله الذين لا يهبون لدرء الأذى عنه حين يرون خصومه جادين في الاستهزاء به والطعن عليه. إن الذي يصيبه الأذى بالسكوت على الطعن في الدين هو التدين في نفس المتدين الساكت. وإذا استمر على السكوت فسيسلمه من غير شك إلى الهلاك
ولست أدري كيف غاب عن الأستاذ الحكيم أن المسلمين لو كانوا راضوا أنفسهم منذ بدء الإسلام على ما يريد الآن أن يروضهم عليه من السكوت على الطعن في الدين ما ثبت الإسلام للأحداث ذلك الثبوت الذي يتخذه الآن حجة يخطئ بها الناس في غضبهم للدين. ولماذا نذهب بعيداً؟ لنفرض أن المطعون فيه من غير عقل ولا روية هو توفيق الحكيم وفنه ومقدرته. ولنفرض أننا خاطبناه بما يخاطب به الناس فطلبنا إليه ألا يغضب ولا يدفع عن نفسه ولا يدع أحداً من أنصاره يغضب له أو يدفع عنه، لأن فنه ظاهر العبقرية فلا خطر عليه من طعن طاعن مبطل، ولأن الغضب والدفاع يوقعان في الوهم أن فن توفيق الحكيم ضعيف لا يثبت على الطعن والتجريح؛ ولنفرض أنه وأنصاره عملوا برأيه هذا فلم يغضبوا له، ولم يدفعوا عنه، ماذا يبقي على هذا من فن توفيق الحكيم أو صيته بعد قليل؟ لا شيء، فسيألف الناس حتى أشدهم تعصباً له سماع القالة فيه، وسيهون أمره عليهم بالتدريج حتى يدخل عليهم الريب في أمره ويسلمهم الريب إلى تصديق كل ما قيل فيه
على أن الناس، مهما فاتهم بتغيير رأيهم في توفيق الحكيم من نعمة التسلي بفنه وقصصه، سيظلون هم الناس لم يمسس أرواحهم خطر ولا سوء. لكن ليس الأمر كذلك إن هم ألفوا الطعن في الدين وصاروا إلى الرضا به والسكوت عليه. إنهم سيهلكون حتماً في الآخرة إن لم يهلكوا في الدنيا، أو على الأقل هكذا يعتقد الناس. وسيعتقد ذلك معهم توفيق الحكيم حين يقرأ ما قرءوا من قوله تعالى: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. إنكم إذن مثلهم. أن الله جامع الكافرين والمنافقين في جهنم جميعاً.)”

قد أحسن ولو قال له أيقبل الطعن في شرف أمه وكثرة الحديث في هذا بحجة أنها عفيفة ولا يضرها نعتها بالعهر وتشويه سمعتها ؟!

وقد رأينا في عصرنا الحديث كثرة شكاية من يخالفون نظرية التطور من طردهم من الجامعات أو تهديدهم حتى صدرت مواد مرئية توثق لهذا ولم يفكر التطوريون بالطريقة التي يراد منا معاشر المسلمين التفكير بها تجاه الأساس الأكبر من أساسات بناء الدولة

وكذلك قانون معاداة السامية يمنع من حرية التعبير بما يضاد مشاعر اليهود

واليوم إذا كنت شخصية مرموقة وصرحت بموقف ضد من يعملون عمل قوم لوط أو انتقدت الحرية المنفرطة للنساء عندهم التي وصلت بهم إلى الإباحية فقد تمنع من دخول بلادهم كما منع بلال فيلبس من دخول فرنسا لكلامه عن المثليين ومنع ذاكر نايك من دخوله من بريطانيا عن حديثه عن تبرج النساء وعلاقته بالاغتصاب

وفي بريطانيا وبلجيكا التعدي على الملكة والملك بالسب مجرم

وفي عدد من البلدان الشيوعية محظورة ( ألمانيا حظرتها ستين عاماً وأوكرانيا قامت بحظرها حديثاً )
ثم إن دين الله أعظم قيمة يعيش لأجلها الإنسان وهو تفسير وجوده ومجادلة أهل الكتاب وأهل الباطل بالتي هي أحسن شيء والسماع بالطعن الرقيع والكذب على الدين والصالحين أمر آخر تماماً