فإن مما ينبغي أن يعنى به السلفي فقه السلف في أعمال القلوب ، وذلك آكد
من كثير من العبادات البدنية والمعاملات التي لا يحتاجها إلا مرةً في عمره أو مرة في
العام أو ربما لا يطبقها في عمره كله كبعض أحكام الطلاق والظهار ، والمؤمن محتاج إلى
إصلاح قلبه في كل لحظة من حياته
قال ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين ص8:” وأنت تجد الفقيه يتكلم
فى الِّظهار، واللِّعان، والسبع، والرمى، ويفرع التفريعات التي تمضى الدهور فيها ولا
يحتاج إلى مسألة منها، ولا يتكلم فى الإخلاص، ولا يحذر من الرياء، وهذا عليه فرض عين،
لأن في إهماله هلاكه، والأول فرض كفاية . ولو أنه سئل عن علة ترك المناقشة للنفس فى
الإخلاص والرياء لم يكن له جواب . ولو سئل عن علة تشاغله بمسائل اللعان والرمى، لقال
: هذا فرض كفاية، ولقد صدق، ولكن خفي عليه أن الحساب فرض كفاية أيضاً، فهلا تشاغل به،
وإنما تبهرج عليه النفس، لأن مقصودها من الرياء والسمعة يحصل بالمناظرة، لا بالحساب
!”
وقد من السلف كلمات رائقة في التربية على الإخلاص والبعد عن الرياء أذكر
بعض ما كان غريباً على الأسماع مستطرفاً لندرة ما يطرق فإن مثل هذا يعلق في الأذهان
قال ابن المبارك في الزهد 156 – أخبرنا : إسماعيل بن عياش قال : حدثني
محمد بن زياد قال : رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده ،
ويدعو ربه ، فقال أبو أمامة : « أنت ، أنت ، لو كان هذا في بيتك »
وهذا إسناد صحيح
قال البرذعي في سؤالاته لأبي زرعة (1/50) :” شهدت ابا زرعة وأتاه
أبو العباس الهسنجاني فكلمه أن يقبل يحيى بن معاذ رجل كان بالري يتكلم بكلام يشبه كلام
منصور بن عمار أو نحو ذلك فقال إنه يقول أنا على مذهبك فأنا رجل نواح أنوح فقال أبو
زرعة إنما النوح لمن يدخل بيته ويغلق بابه وينوح على ذنوبة فأما من يخرج إلى أصبهان
وفارس ويجول في الأمصار في النوح فأنا لا نقبل هذا منه هذا من فعال المستأكلة الذين
يطلبون الدراهم والدنانير ولم يقبله”
أقول : هذا الرجل سمي بالنواح لأنه يتكلم بكلام الزهاد ثم يغلبه البكاء
تأثراً بما بما يقول ، فلما كانت هذه عادة له يجول البلدان ويشتهر بهذا حتى حصل لقب
( النواح ) كره أبو زرعة ذلك منه وقال له ما قال أبو أمامة لذلك الرجل ، والمرء يغلبه
البكاء مرة أو مرتين ، أما من عادته أن يبكي أمام الناس حتى يشتهر بذلك فهذا يخشى عليه
وقال أبو زرعة كما سؤالات البرذعي له (1/67) :” عن إبراهيم قال :
إني أقول أني لا أعلم وأنا لا أعلم وأكره أن أقول الله أعلم فيرى أن عندي علما”
انظر إلى هذه التربية ومثلها كلمة ( سل العلماء ) فبعض الناس يطلقها ويريد
من ذلك إيهام السائل أن عنده علماً ولكنه يتورع عن إظهاره ويحيل على غيره على طريقة
السلف في تدافع الفتيا والأقرب للإخلاص أن يعترف بجهله ويقول ( لا أعرف فيها شيئاً
) أو ( لا أدري )
هذا باب ينبغي العناية لمن أراد الله عز وجل اليوم الآخر ومن أعرض فهو
محروم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم