قال الشيخ عبد الله بن محمد بن الوهاب كما في الدرر السنية حاكياً دخولهم إلى مكة :” ولما تمت عمرتنا جمعنا الناس ضحوة الأحد، وعرض الأمير – رحمه الله – على العلماء ما نطلب من الناس ونقاتلهم عليه، وهو إخلاص التوحيد لله تعالى وحده. وعرفهم أنه لم يكن بيننا وبينهم خلاف له وقع إلا في أمرين: أحدهما: إخلاص التوحيد لله تعالى، ومعرفة أنواع العبادة، وأن الدعاء من جملتها، وتحقيق معنى الشرك، الذي قاتل الناس عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. واستمر دعاؤه برهة من الزمان بعد النبوة إلى ذلك التوحيد وترك الإشراك قبل أن تفرض عليه أركان الإسلام الأربعة. والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي لم يبق عندهم إلا اسمه، وانمحى أثره ورسمه.
فوافقونا على استحسان ما نحن عليه جملة وتفصيلا، وبايعوا الأمير على الكتاب والسنة، وقبل منهم، وعفا عنهم كافة، فلم يحصل على أحد منهم أدنى مشقة، ولم يزل يرفق بهم غاية الرفق، لا سيما العلماء؛ ونقرر لهم حال اجتماعهم، وحال انفرادهم لدينا أدلة ما نحن عليه، ونطلب منهم المناصحة والمذاكرة وبيان الحق.
وعرفناهم بأن صرح لهم الأمير حال اجتماعهم، بأنا قابلون ما وضحوا برهانه، من كتاب، أو سنة، أو أثر عن السلف الصالح، كالخلفاء الراشدين، المأمورين باتباعهم، بقوله صلى الله عليه وسلم: ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي “، أو عن الأئمة الأربعة المجتهدين، ومن تلقى العلم عنهم، إلى آخر القرن الثالث، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ” 1. وعرفناهم أنا دائرون مع الحق أينما دار، وتابعون للدليل الجلي الواضح ; ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا. فلم ينقموا علينا أمرا، فألحينا عليهم في مسألة طلب الحاجات من الأموات، إن بقي لديهم شبهة، فذكر بعضهم شبهة، أو شبهتين، فرددناها بالدلائل القاطعة، من الكتاب، والسنة، حتى أذعنوا. ولم يبق عند أحد منهم شك ولا ارتياب، فيما قاتلنا الناس عليه، أنه الحق الجلي، الذي لا غبار عليه.
وحلفوا لنا الأيمان المغلظة، من دون استحلاف لهم، على انشراح صدورهم، وجزم ضمائرهم أنه لم يبق لديهم شك، في أن من قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يا ابن عباس، أو يا عبد القادر، أو غيرهم من المخلوقين، طالبا بذلك دفع شر، أو جلب خير، من كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، من شفاء المريض، والنصر على العدو، والحفظ من المكروه، ونحو ذلك، أنه مشرك شركا أكبر، يهدر دمه، ويبيح ماله، وإن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون، هو الله تعالى وحده، لكنه قصد المخلوقين بالدعاء، متشفعا بهم، ومتقربا بهم، لتقضى حاجته من الله بسرهم، وشفاعتهم له فيها، أيام البرزخ.
وأن ما وضع من البناء على قبور الصالحين صارت في هذه الأزمان أصناما تقصد لطلب الحاجات، ويتضرع عندها، ويهتف بأهلها في الشدائد، كما كانت تفعله الجاهلية الأولى. وكان من جملتهم مفتي الحنفية الشيخ عبد الملك القلعي، وحسين المغربي مفتي المالكية، وعقيل بن يحيى العلوي ; فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه، ويرجى النفع والنصر بسببه، من جميع البناء على القبور وغيرها، حتى لم يبق في تلك البقعة المطهرة طاغوت يعبد. فالحمد لله على ذلك. ثم رفعت المكوس، والرسوم، وكسرت آلات التنباك، ونودي بتحريمه، وأحرقت أماكن الحشاشين، والمشهورين بالفجور، ونودي بالمواظبة على الصلوات في الجماعات، وعدم التفرق في ذلك، بأن يجتمعوا في كل صلاة على إمام واحد، ويكون ذلك الإمام من أحد المقلدين للأربعة،. واجتمعت الكلمة حينئذ، وعبد الله وحده، وحصلت الألفة، وسقطت الكلفة، وأمر عليهم، واستتب الأمر من دون سفك دم، ولا هتك عرض، ولا مشقة على أحد، والحمد لله رب العالمين”
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في رسالة له يناصح أحد الأمراء في الضرائب التي وضعها على الناس كما في الدرر السنية (9/304) :” واذكر أيضا: الديوان الثالث، الذي لا يترك الله منه شيئا، فالحذر الحذر، من أسباب الشر وموجباته! ومن أعظم الأسباب الجالبة للنصر، وخذلان العدو قريبا أو بعيدا: تقوى الله، ورفض هذه المكوس المحرمة، التي لم تعهد في أسلافكم، لأن المعهود عنهم رحمهم الله، رفع المظالم، والمكوس، في كل بلد يتولون عليها، فشكرهم على ذلك أهل الإسلام، وجعلوا ذلك من مآثرهم الحميدة”
وجاء فيها أيضاً نصيحة موجهة من من محمد بن عبد اللطيف، وصالح بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، وعبد الرحمن بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، ومحمد بن عبد الله بن عبد اللطيف إلى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل :” ومنها: أمر الطويل في الأحساء وتوابعها، هو وأعوانه الذين استجلبهم من الخارج، وسومهم الناس سوء العذاب، مع ما اشتهر من أنواع الفواحش. وقد مضى أزمان والناس يرفعون أكفهم بالدعاء لكم، في السر والعلانية، ولا نأمن الآن أنهم يرفعونها بالدعاء عليكم وفي الحديث ” واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب “
ونقلوا له قول ابن تيمية وقال في “الاقتضاء”: وعامة الأمراء، إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة، من أخذ أموال لا يجوز أخذها، وعقوبات على الجرائم لا تجوز، لأنهم فرطوا في المشروع، من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه، ووضعوه حيث يسوغ وضعه، طالبين بذلك إقامة دين الله، لا رياسة لأنفسهم، وأقاموا الحدود المشروعة، على الشريف والوضيع، والقريب والبعيد، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم، للعدل الذي شرعه الله، لما احتاجوا إلى المكوس الموضوعة، ولا إلى العقوبات الجائرة، ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستعبدين، كما كان الخلفاء الراشدون، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم، انتهى
وكان مما جاء فيها : فيا عبد العزيز اتق الله، تتم لك النعمة، وحكم كتاب الله، وسنة نبيه، واتق الظلم فإنه سبب لحلول النقم وزوال النعم، وحقوق الخلق أمرها عظيم وفي الحديث ” الدواوين ثلاثة، ديوان لا يغفر الله منه شيئا، وهو الشرك بالله، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وهو حقوق الخلق، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه “.
وقد حرم الله الظلم على نفسه، وجعله محرما بين عباده، قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [سورة فصلت آية: 46] وقال تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [سورة الكهف آية: 49]
وجاء فيها أيضاً :” وقال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن سليم، والشيخ صالح بن عبد العزيز، والشيخ عبد الله بن حسن، وعبد العزيز، وعمر ابنا الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد الله بن زاحم، والشيخ محمد بن عثمان، والشيخ عبد العزيز الشثري. وأما المكوس _ يعني الضرائب_: فأفتينا الإمام بأنها من المحرمات الظاهرة، فإن تركها فهو الواجب عليه، فإن امتنع فلا يجوز شق عصا المسلمين”
وقال الشيخ: محمد بن إبراهيم، آل الشيخ رحمه الله:
المكوس حرام، ولا تخلط مع الفيء، ولا مع الزكاة، ولا مع الفيء الخاص; بل كل له مصرف، هذه يتولاها من جباها، والحلال له مستحقون، والحرام شأنه به الذي جباه; لكن لو توخى بها أشياء فيها نفع خفف عنه; فإن أسوأ الدنانير، دينار يجيء من غير محله، ويدفع في غير محله، يجيء معصية ويبذل معصية