فممن ابتليت الأمة الإسلامية بتعظيمهم
والثناء عليهم لما فقد المفهوم السلفي للعلم الشرعي المناوي صاحب فيض القدير ،
والتصوف الغالي يظهر في عنوان كتابه وقد كان معظماً لابن عربي مع معرفته الواضحة
بتصانيف شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم
وقد نقل صنوفاً من الردة والخرافة عن ابن
عربي
فمن ذلك ما قاله في الفيض (3/10) :”
(فائدة) قال ابن عربي : أوحى الله إلى داود عليه السلام ابن لي بيتا يعني بيت
المقدس فكلما بناه تهدم فأوحى الله إليه لا يقوم على يديك فإنك سفكت الدماء فقال :
ما كان إلا في سبيلك فقال : صدقت ومع هذا أليسوا عبيدي وإنه يقوم على يد ولدك
سليمان فكان”
وهذا الخبر لا أصل له ولكنه من شيوخ الكشف
عن المناوي فلا يحتاج لإسناد ، وهذا الخبر ردة إذ فيه اعتبار جهاد داود في سبيل
منقصة في حقه ومحرمة له من الفضل لأنه قتل عبيداً لله على الكفر في سبيل الله !
وهذا تثبيط مبطن عن جهاد المشركين وهو
انتقاص لنبي من أنبياء الله وردة صريحة
وقال المناوي في الفيض (2/729) :” قال
العارف ابن عربي حدثني شيخنا العزيني بشئ فتوقفت فيه فتأذى الشيخ ولم أشعر فانصرفت
فلقيني في الطريق
رجل لا أعرفه فسلم علي ثم قال صدق الشيخ
فيما قال فرجعت إلى الشيخ فلما رآني قال : تحتاج في كل مسألة إلى أن يلقاك الخضر
فيخبرك بصدقها وقال ابن عربي أيضا كنت في مركب بساحل تونس فأخذتني بطني والناس
نيام فقمت إلى جنب السفينة وتطلعت في البحر فرأيت رجلا على بعد في ضوء القمر يمشي
على الماء حتى وصل إلي فرفع قدمه الواحدة واعتمد الأخرى فرأيت باطنها وما أصابها
بلل ثم اعتمد الأخرى ورفع صاحبتها فكانت كذلك ثم تكلم معي بكلام وانصرف فأصبحت جئت
المدينة فلقيني رجل صالح فقال كيف كانت ليلتك مع الخضر عليه السلام قال وخرجت إلى
السياحة بساحل البحر المحيط ومعي رجل ينكر خرق العوائد فدخلنا مسجدا خرابا لصلاة
الظهر فإذا بجماعة من السياحين المنقطعين دخلوا يريدون ما نريده وفيهم ذلك الرجل
الذي كلمني في البحر ورجل أكبر
منزلة منه فصلينا ثم خرجنا فأخذ الخضر
عليه السلام حصيرا من محراب المسجد فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع ثم صلى
عليها فقلت لصاحبي أما تنظر ما فعل ؟ قال اسأله فلما فرغ من صلاته أنشدته هذه
الأبيات : شغل المحب عن الهواء بسره * * في في حب من خلق الهواء وسخره والعارفون
عقولهم معقولة * * عن كل كون ترتضيه مطهره فهم لديه مكرمون وفي الورى * * أحوالهم
مجهولة ومستره فقال ما فعلت ما رأيت إلا لهذا المنكر الذي معك فهذا ما جرى لنا مع
هذا الوتد وله من العلم اللدني والرحمة بالعالم ما يليق بمن هو في رتبته واجتمع به
شيخنا علي بن عبد الله بن جامع وكان الخضر عليه السلام ألبسه الخرقة بحضور العارف
قضيب البان وألبسنيها المسيح عليه الصلاة والسلام بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر
عليه السلام ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة وألبستها الناس لما رأيت الخضر عليه
السلام اعتبرها وكنت قبل ذلك لا أقول بالخرقة المعروفة الآن فإن الخرقة عندنا
عبارة عن الصحبة والآداب والتخلق ولهذا لا يوجد لباسها متصلا برسول الله صلى الله
عليه وسلم فجرت عادة أصحاب الأحوال أنهم إذا رأوا واحدا من أصحابهم عنده نقص في
أمر ما وأرادوا تكميله يتجذبه الشيخ فإذا تجذبه أخذ ذلك الثوب الذي عليه في ذلك
الحال ونزعه وأفرغه عليه فيسري فيه ذلك الحال فيكمل به ذلك الرجل فذلك هو الإلباس
عندنا المعروف عند شيوخنا المحققين رضي الله تعالى عنهم”
هكذا يلتقون بالخضر والمسيح ويلبسونهم
الخرقة !
وقال المناوي في الفيض (3/96) :” (تنبيه)
ذهب الصوفية إلى أن الخليفة على الحقيقة بعده القطب قال العارف ابن عربي : حضرت
الخلافة التي هي
محل الإرث والأنبياء انتشرت راياتها ولاحت
أعلامها وأذعن الكل لسلطانها ثم خفيت بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا تظهر
أبدا إلى يوم القيامة عموما لكن قد تظهر خصوصا ، فالقطب معلوم غير معين وهو خليفة
الزمان ومحل النظر والتجلي ومنه تصدر الآثار على ظاهر العالم وباطنه وبه يرحم
ويعذب وله صفات إذا اجتمعت في خليفة عصر فهو القطب وإلا فهو غيره ومنه يكون
الإمداد لملك ذلك العصر”
قال المناوي في الفيض (3/139) :” (تنبيه)
قال العارف ابن عربي : رأيت الكنز الذي تحت العرش الذي خرجت منه لا حول ولا قوة
إلا بالله فإذا الكنز آدم عليه السلام ورأيت تحته كنوزا كثيرة أعرفها اه”
هكذا يزعم الكافر أنه رأى العرش ونظر تحته
ورأى كنوزاً يعرفها ألا لعنة الله على الكاذبين ويصدقه وينقل كلامه هذا كالذي كمثل
الحمار يحمل أسفاراً
وقال المناوي في الفيض (3/220) :” (خاتمة)
قال ابن عربي الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط وهم أخص من الأبدال
والإمامان أخص منهم والقطب أخص الجماعة والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت
أوصافه المذمومة بمحمودة ويطلقونه على عدد خاص وهم أربعون وقيل ثلاثون وقيل سبعة
ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت ويكون على قلب عيسى له اليماني
والذي على قلب نبي من الأنبياء فالذي على قلب آدم له الركن الشامي والذي على قلب
إبراهيم له العراقي والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود وهو لنا بحمد الله”
وهذا محض خرافة ولا أعجب من رأس الزندقة
ابن عربي ولكنني أعجب ممن شرح آلاف الأحاديث ثم هو يصدق مثل هذا الهراء الذي لم
يعرفه أحد من السلف وكفى بذلك ضلالة
وقال المناوي في الفيض (4/102) :” (تنبيه)
قال ابن عربي : لا يظهر حكم الشرف لأهل البيت إلا في الآخرة فإنهم يحشرون مغفورا
لهم وأما في الدنيا فمن أتى منهم حدا أقيم عليه كالنائب إذا بلغ الحاكم أمره وقد
زنى أو شرب أو سرق يقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة وينبغي لكل مسلم أن يصدق بقوله *
(ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * فيعتقد أن الله قد عفا عن أهل
البيت عناية من الله بهم والظاهر أن المراد بالنار نار الخلود”
وهذا مذهب غريب في أن أهل البيت كلهم
مغفور لهم يوم القيامة ولا يعاقب أحد منهم وهذا لم يقل به أحد
قال المناوي في الفيض (4/341) :” قال
ابن عربي : خدمت فاطمة بنت المثنى القرطبي وقد بلغت من العمر نحو مائة فكانت تفرح
وتضحك وتضرب بالدف وتقول عجبت لمن يقول أنه يحب الله ولا يفرح به وهو مشهوده عينه
إليه ناظرة في كل عين لا يغيب عنه طرفة عين فهؤلاء البكاءون كيف يدعون محبته
ويبكون أما يستحيون إذا كان قربه مضاعفا من قرب المتقربين إليه والمحب أعظم الناس
قربا إليه فهو مشهوده فعلى من يبكي إن هذه لأعجوبة”
فانظر إلى هذه العجوز الخرفة الضرابة
بالدف شيخة ابن عربي كيف تسخر ممن يبكي من خشية الله وقد مدح الله أنبياءه بذلك
قال الله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ
حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ
هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا
سُجَّدًا وَبُكِيًّا)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة يبكون وأخبارهم في ذلك كثيرة
قال المناوي في الفيض (4/504) :” وقال
ابن عربي : العلماء ورثة الأنبياء أحوالهم الكتمان لو قطعوا إربا إربا ما عرف ما
عندهم
ولهذا قال الخضر : * (ما فعلته عن أمري) *
فالكتمان من أصولهم إلا أن يؤمروا بالإفشاء والإعلان”
الله أكبر الأنبياء عملهم التبليغ وتعليم
الناس وهذا الملحد يعكس الأمر
قال المناوي في الفيض (4/552) :” (فائدة)
قال ابن عربي : إذا قرأت الفاتحة فصل باسم الله الرحمن الرحيم بالحمد لله في نفس
واحد من غير قطع فإني أقول بالله العظيم لقد حدثني أبو الحسن علي بن أبي الفتح
الكفاري الطبيب بمدينة الموصل سنة أحد وستمائة وقال بالله العظيم لقد سمعت المبارك
ابن أحمد المقرئ النيسابوري يقول بالله العظيم لقد سمعت من لفظ أبي بكر الفضل بن
محمد الكاتب الهروي وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو بكر بن محمد الشاشي الشافعي
من لفظه وقال بالله العظيم لقد حدثني عبد الله المعروف بأبي نصر السرخسي وقال
بالله العظيم لقد حدثنا محمد بن الفضل وقال بالله العظيم لقد حدثنا محمد بن علي بن
يحيى الوراق الفقيه وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد بن الحسن العلوي الزاهد وقال
بالله العظيم لقد حدثني موسى بن عيسى وقال بالله العظيم لقد حدثني أبو بكر الراجعي
وقال بالله العظيم لقد حدثني عمار بن موسى البرمكي وقال بالله العظيم لقد حدثني
أنس بن مالك وقال بالله
العظيم لقد حدثني محمد المصطفى صلى الله
عليه وسلم وقال بالله العظيم لقد حدثني جبريل وقال بالله العظيم لقد حدثني إسرافيل
وقال قال الله تعالى يا إسرافيل بعزتي وجلالي وجودي وكرمي من قرأ بسم الله الرحمن
الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة : أشهد على أني قد غفرت له وقبلت منه
الحسنات وتجاوزت عنه السيئات ولا أحرق لسانه في النار وأجيره من عذاب القبر وعذاب
النار والفزع الأكبر ويلقاني قبل الأنبياء والأولياء أجمعين”
هذا الخبر خرافة مكذوبة وهذه السنة
المزعومة لا تعرف عند القراء وأهل الحديث والمتهم بذلك هذا الزنديق ابن عربي
والعجب من حامل الأسفار المناوي كيف ينقل
هذا ولا ينقده وهو كذب على الله ورسوله لعن الله واضعه وناقله ومفشيه بين المسلمين
وقال المناوي في الفيض (4/553) :” (فائدة)
قال ابن عربي : خدمت فاطمة بنت المثنى وكانت تقول أعطاني الله فاتحة الكتاب تخدمني
فما شغلتني وكانت إذا قرأتها تنشئها في القراءة صورة مجسدة في الهواء الخارج من
فيها بحروف الفاتحة حتى تقوم صورة مكملة فتقول يا فاتحة افعلي كذا وكذا فيكون كما
قالت وأنا أعجب ممن عنده الفاتحة كيف يحتاج إلى غيرها وجاءتها امرأة تشتكي غيبة
زوجها فقرأت الفاتحة ثم قالت يا فاتحة الكتاب تروحي إلى بلد كذا تأتي بزوجها فلم
يلبث سوى مسافة الطريق”
أقول : هذا كذب قبيح وخرافة فجة فكتاب
الله الذي أنزله هدى ونور يصيرة خادمة لهذه الزنديقة ؟!
قال المناوي في الفيض (4/636) :” قال
ابن عربي : قد أعطاني الله من محبته الحظ الأوفر والله إني لأجد من الحب ما لو وضع
على السماء لانفطرت وعلى النجوم لانكدرت وعلى الجبال لسيرت والحب على قدر التجلي
والتجلي على قدر المعرفة لكن محبة العارف لا أثر لها في الشاهد”
وقال المناوي في الفيض (4/680) :” (فائدة)
قال ابن عربي : ظهر لبعض أهل المكاشفة صور سور القرآن فساطيط مائة وثلاثة عشر
سورة وكان أميا فقال كنت أسمع أن القرآن
مائة وأربعة عشر سورة فقيل له قل هو الله أحد لا تسعها السماوات والأرض”
قال المناوي في الفيض (5/68) :” وقال
ابن عربي : خدمت امرأة من المخبآت العارفات تسمى فاطمة بنت المثنى القرطبي خدمتها
وسنها فوق خمس وتسعين سنة وكنت أستحي أنظر إليها من حمرة خديها وحسن نغمتها
وجمالها كأن عمرها دون عشرين سنة وكانت تضرب بالدف وتفرح وتقول اعتنى بي وجعلني من
أوليائه واصطنعني لنفسه فكيف لا أفرح ومن أنا حتى يختارني على ابن جني”
تضرب بالدف وتغني !
وتزعم أنها ولية
قال المناوي في الفيض (5/410) :” قال
ابن عربي : وفي تخصيصه ذكر الثريا دون غيرها من الكواكب إشارة بديعة لمثبتي الصفات
السبعة لأنها سبعة كواكب فاقهم”
استدلال سخيف لمذهب الأشاعرة ! ولو استدل
أيضاً بكون السماوات سبعة والأرضين سبعة لكان استدلالاً على الدرجة نفسها من
السماجة
قال المناوي في الفيض (6/ 245) :” (فائدة)
قال ابن عربي : أوصيك أن تحافظ على أن تشتري نفسك من الله بعتق رقبتك من النار بأن
تقول لا إله إلا الله سبعين ألف مرة فإن الله يعتق رقبتك أو رقبة من تقولها عنه
بها ورد به خبر نبوي وأخبرني أبو العباس القسطلاني بمصر أن العارف أبا الربيع
المالقي كان على مائدة وقد ذكر هذا الذكر عليها صبي صغير من أهل الكشف فلما مد يده
للطعام بكى فقيل : ما شأنك قال : هذه جهنم أراها وأمي فيها فقال المالقي في نفسه :
اللهم إني قد جعلت هذه التهليلة عتق أمه من النار فضحك الصبي وقال : الحمد لله الذي
خرجت أمي منها وما أدري سبب خروجها قال المالقي : فظهر لي صحة الحديث قال ابن عربي
: وقد عملت أنا على ذلك ورأيت بركته”
ألا لعنة الله على الكاذبين ، الصحابة
كانوا تخفى عليهم بعض السنن حتى يخبر بعضهم بعضاً بها ، وما كانوا يلجأون إلى
الكشف المزعوم مع شدة الحاجة له في مثل هذا ، وأما أحوال أهل الآخرة فما كانوا
يتكلمون إلا بما ورد به النص وكذا كان التابعون والناس من بعدهم حتى جاء هؤلاء
الزنادقة
قال المناوي في الفيض (6/509) :” (حكاية)
قال ابن عربي : كان بمكة رجل من أهل الكشف يسمى ابن الأسعد من أصحاب شيخنا أبي مدين
فكان يشاهد الملائكة يطوفون مع الناس فنظرهم يوما تركوا الطواف وخرجوا سراعا حتى
لم يبق منهم أحد وإذا بالجمال بأجراسها دخلت المسجد بالروايا تسقي الناس فلما
خرجوا رجعوا”
وقال المناوي في الفيض (2/574) :” قال
العارف ابن عربي رضي الله عنه الحروف أمة من الأمم مخاطبون ومكلمون وفيهم رسل من
جنسهم ولهم أسماء من حيث هم ولا يعرف هذا
إلا أهل الكشف من طريقنا وعالم الحروف أفصح العالم لسانا وأوضحه بيانا وهم على
أقسام كأقسام العالم المعروف في العرف إلى هنا كلامه”
أقول : هذا آخر ما سأنقل من كفريات ابن
عربي وخرافاته التي أقرها المناوي الذي مسه طائف من سخاء الناس هذه الأيام بألقاب
المدح فصار ( الإمام المناوي ) والله المستعان
وقد اعتمد بعض الناس في تحسين صورة هذا
الرجل على جواب لأئمة الدعوة وجد فيه ذكر كتاب المناوي من ضمن الكتب التي يستفيدون
منها ، وعلى تقدير أنهم نظروا في كتابه كاملاً ولم ينظروا في بعضه فحسنوا الظن
يقال أنهم أرادوا الاستفادة من بعض النقولات التي ينقلها أما الامتناع عن تضليله
والحكم عليه بأنه خرافي أو جعله من أئمة الدين فلا يظن بهم ذلك ، ولو أرادوا هذا
المعنى لكان مردوداً عليهم غير أنهم أجل من ذلك
وقد أغنى الله أهل الإسلام بعلوم السلف عن
أمثال المناوي وابن عربي
قال الشيخ سليمان بن سحمان في الصواعق
المرسلة الشهابية ص67 :” فإذا عرفت هذا عرفت أن كلام المناوي من نمط ما يقوله
أبو حامد الغزالي حيث قال: وأما الأفعال فبحر متسعة أكنافه؛ ولا ينال بالاستقصاء
أطرافه؛ بل ليس في الوجود إلا الله وأفعاله؛ فكل ما سواه فعله؛ لكن القرآن اشتمل
على الخلق منها الواقع في عالم الشهادة كذكر السماوات والكواكب والأرض والجبال
والبحار والحيوان والنبات وإنزال الماء الفرات وسائر أصناف النبات وهي التي ظهرت
للحس؛ وأشرف أفعاله وأعجبها وأدلها على جلالة صانعها ما لا يظهر للحسن بل هو في
عالم الملكوت وهي الملائكة 1 الروحانية والروح والقلب أعني العارف بالله تعالى من
جملة أجزاء الآدمي فإنها أيضا من جملة عالم الغيب والملكوت؛ وخارج عن عالم الملك
والشهادة وذكر كلاما لا حاجة بنا إليه؛ ولكن المقصود أنه زعم أن الروح من جملة
عالم الغيب والملكوت. قال شيخ الإسلام على هذا الكلام:-فهذا الكلام يستعظمه في
باديء الرأي؛ أو مطلقا؛ من لم يعرف حقيقة ما جاء به الرسول؛ ولم يعلم حقيقة
الفلسفة التي طبق هذا الكلام عليها وعبر عنها بعبارات المسلين.
فأما قول القائل إن القرآن اشتمل على
الخلق؛ وهي التي ظهرت للحس؛ وأشرف أفعال الله تعالى ما لا يظهر للحس؛ يعني ولم
يشتمل القرآن عليه. فهذا مع ما فيه من الغض بالقرآن؛ وذكر اشتماله على القسم
الناقص دون الكامل؛ وتطرق أهل الإلحاد إلى الاستخفاف بما جاءت به الرسل؛ هو كذب
صريح يعلم صبيان المسلمين أنه كذب على القرآن؛ فإن في القرآن من الأخبار عن الغيب
من الملائكة والجن والجنة والنار وغير ذلك ما لا يخفى على أحد؛ وهو أكثر من أن
يذكر هنا؛ وفي القرآن من الأخبار بصفات الملائكة وأصنافهم وأعمالهم ما لا يهتدي
هؤلاء إلى عشره؛ إذ ليس عندهم من ذلك إلا شيء قيل مجمل؛ بل الرسول إنما بعث
ليخبرنا
بالغيب؛ والمؤمن من آمن بالغيب”
وقال أيضاً في ص54 :” فالجواب أن
يقال: – ما ما ذكره المناوي على هذا الحديث من قوله: ” إشارة إلى أن نبوته
كانت 1 موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب دون عالم الشهادة إلى آخره”.
فهو من جنس الرموز والإشارات والاعتبار
الذي سلكه المتصوفة من أهل السلوك؛ ومن جنس ما يذكره صاحب ” الفصوص” في “الفتوحات”؛
ومن نمط ما يذكره أبو حامد الغزالي من الألفاظ المبتدعة المأخوذة عن الفلاسفة؛
كلفظ عالم الغيب والملكوت؛ وعالم الشهادة وغير ذلك من الألفاظ التي لا تذكر في شيء
من الأحاديث؛ وإنما أصل هذه الألفاظ من وضع الفلاسفة واصطلاحاتهم؛ فيعبر هؤلاء
بهذه العبارات المأخودة عن الفلاسفة؛ ويجعلون مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
من الآيات والأحاديث على ما أرادوا من معاني هذه الألفاظ المخترعة التي تخالف كاب
الله وسنة رسوله.
ومن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام؛
ومما جاء عن سيد الأنام؛ أنه ليس قبل خلق السماوات والأرض خلق من بني آدم أرواحا؛
ولا غيرها يسمى عالم الغيب؛ ولا يوجد ذلك في كلام أئمة الإسلام؛ وهذا بناء من
هؤلاء على أن الأرواح مخلوقة قبل خلق السماوات والأرض؛ وعليه وضع الوضاعون تفرع
خلق جميع المخلوقات جزءا بعد جزء من نور محمد صلى الله عليه وسلم والذي ذكره أهل
العلم من الأحاديث إنما هو تقدير ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فإن الله تعلى قدر
مقادير الخلق وانقسام الخلق إلى سعيد وشقي؛ وميزهم قبل خلق السماوات والأرض بخمسين
ألف سنة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح: ” إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن
يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ وعرشه على الماء” وسيأتي بيان ذلك فيما
بعد إن شاء الله تعالى؛ ومن المعلوم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قد كان نبيا في سابق علم الله قبل أن يخلق
السماوات والأرض؛ فإن الله قدر ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ ولم يكن ثم عالم غيب
من الأرواح لا أرواح الأنبياء ولا غيرهم من بني آدم. وهذا بخلاف ما قاله المناوي “
من أن نبوته كانت موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب؛ يعني أنه كان في أول
الزمان فعالم الغيب روح موجودة بالاسم الباطن؛ ثم انتهى الزمان بالاسم الباطن إلى
وجود جسمه وارتباط الروح به؛ إلى أن انتقل الحكم الزماني في جريانه إلى الاسم
الظاهر؛ فظهر بذاته جسما وروحا” ومستنده في ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في
تاريخه؛ وأحمد والطبراني والحاكم والبيهقي وأبو نعيم؛ عن ميسرة الضبي قال: قلت يا
رسول الله: متى كنت نبيا؟ قال: “وآدم بين الروح والجسد”.
ومن المعلوم أن هذا الحديث مناقض لما قاله
المناوي فإن آدم عليه ا لسلام إنما خلقه الله بعد خلق السماوات والأرض بعد العصر
من يوم الجمعة آخر الخلق من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل. ومعلوم
أن خلق الزمان قبل خلق آدم بمدة طويلة؛ وإنما قال صلى الله عليه وسلم “كنت
نبيا وآدم بين الروح والجسد” ولم يقل كنت نبيا في أول خلق الزمان؛ بمعنى انه
كان في أول خلق الزمان روحا موجودة قبل خلق العرش والماء والريح والقلم؛ وأخرج صلى
الله عليه وسلم في جملة من اخرج لما مسح الله ظهر آدم بيده فاستخرج ذريته كأمثال
الذر؛ فعلم أن هذا الحديث مناقض لما قاله المناوي ومناف له”
فالمناوي خرافي لا يستحق التوقير ولا
الاحتفال
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم