حينما وعظ الأوزاعي الخليفة المهدي برواية أسلافه..
كان من مناقب الإمام الأوزاعي كثرة مكاتباته للأمراء والخلفاء في شأن مصالح عوام المسلمين وما ينوبهم من مشكلات.
أورد رسائله هذه ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل ضمن ذكره لمناقب الأوزاعي، وذكر له رسالة للخليفة المهدي يحثه على إغاثة أهل مكة إذ مر بهم وقت مجاعة.
ومما لفت نظري في الرسالة أنه احتج على محمد المهدي برواية من طريق أسلافه العباسيين.
قال الأوزاعي: “فإن رأى لأمير أصلحه الله أن يلح على أمير المؤمنين في إغاثة أهل مكة ومن حولهم من المسلمين في بره وبحره بحمل الطعام والزيت إليهم قبل أن يبتلى بهلاك أحد منهم جوعا فعل.
وقد حدثني داود بن علي أن عمر بن الخطاب قال: لو هلكت شاة على شاطئ الفرات ضياعا ظننت أن الله عز وجل سيسألني عنها.
وإنما الأمر واحد وكل من العدل في الحكم عليه يوم القيامة مشفق إلا ان يعفو الله عز وجل ويرحم، وهي أمتكم وأحق من خلفتم فيها بالعفو والرأفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألحقكم الله به مصلحين وأوردكم عليه بإحسان والسلام“.
أقول: داود بن علي الذي ذكر عنه الأوزاعي الخبر هو داود بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان أميرًا من أمراء أبي العباس السفاح الخليفة العباسي الأول.
ومحمد المهدي الخليفة هو ابن عبد الله المنصور ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
فداود بن علي هو أخو جده، فهو يقول له أخو جدك روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: لو هلكت شاة على شاطئ الفرات ضياعا ظننت أن الله عز وجل سيسألني عنها.
علمًا أنه لم يسمع عمر بن الخطاب غير أن الناس يتسامحون في الموقوفات إذا كانت تعضدها مقاصد الشريعة العامة.
وقد وقع للأوزاعي أنه احتج برواية داود بن علي على أخيه عبد الله بن علي.
قال ابن أبي حاتم في التقدمة: “العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال سمعت أمي تقول لما قدم عبد الله بن علي بن العباس الشام كتب إلي الأوزاعي أن القني فلقيه بالناعورة قال فلما دخلت عليه قال يا عبد الرحمن أما ترى مخرجنا هذا هجرة؟ قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها أو إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه، قال فما تقول في أموال بني أمية؟ قال قلت إن كانوا أخذوها حرام فهي عليهم حرام أبدا وعلى من أخذها منهم وإن كانوا أخذوها حلالا فهي حرام على من أخذها منهم، قال فما تقول في دمائهم؟ قال قلت حارث، خاب الذي ليس له صاحب، قال قلت حدثني أخوك داود بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بواحدة من ثلاث، الدم بالدم والثيب الزاني والمرتد عن الإسلام.
قال أنك لتقول هذا؟ قال قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله“.
أقول: لما غلب العباسيون الأمويين أسرفوا في الدماء، وموقف الأوزاعي هذا مشرف جدًّا إذ أنه أنكر عليهم هذا التوسع وذكر لهم رواية واحد منهم يحتج بها عليهم، وفي ذلك مخاطرة منه إذ يغضبهم مع قيام دولتهم وسرفهم في الدماء، والحمد لله إذ سلم الإمام رحمه الله.