فإن من المعلوم أن أصحاب الأهواء يبصرون القذاة في عيون أهل السنة ولا
يبصرون الجذع في عيونهم ، ومن ذلك أن المتصوفة على الشابكة ينشرون كتاب ( اللامذهبية
قنظرة اللادينية ) لمحمد الزاهد الكوثري ويعنون بذلك نبز أهل السنة الذين لا يقلدون.
والطريف أنهم ينشرون معه كتاب (إحياء المقبور في أدلة استحباب بناء المساجد
على القبور) لأحمد الغماري، ولم يقل أحدٌ من أئمة المذاهب الأربعة أو من أتباعهم المعتبرين
باستحباب بناء المساجد على القبور !!
فهذه قنظرة اللادينية فعلا !!
ودعنا مما يسمونه بـ(اللا مذهبية) ولنلتفت إلى ما هو أهم وهي ( اللا منهجية
) والتي سأسلط الضوء على صورةٍ من صورها عند أهل التصوف في هذا المقال المختصر والذي
سأجعله خاصاً بموقفهم المتناقض من مرويات حماد بن سلمة – رحمه الله -.
أولاً : رد طائفةٍ منهم لعدد من مرويات حماد بن سلمة:
اعلم – رحمك الله – أن حماد بن سلمة هو راوية أحاديث الصفات لهذا توارد
الجهمية قديماً وحديثاً على الطعن به، ومن ذلك قول الكوثري فيه :” أداة صماء في
أيدي المشبهة ” ويعني بالمشبهة أهل السنة.
وقد رد المتصوفة الأشاعرة عدداً من مروياته، من أشهرها:
1) حديث :” إن أبي وأباك في النار ” رواه مسلم (203) من حديث
حماد عن ثابت عن أنس وحماد أثبت الناس في ثابت كما نص عدد من الحفاظ -راجع ترجمته في
التهذيب – احفظ هذه الفائدة واجعل هذا السند منك على ذكر فإنك ستحتاجه قريباً.
وأما المتصوفة فكان خطبهم مع هذا الحديث عظيماً فضعفوا الحديث ونشروا رسالة
السيوطي في نجاة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولم يخجلوا من معارضته بالواهيات.
قال أحمد الزيني دحلان في رسالته أسنى المطالب في نجاة أبي طالب
:”وأخرج تمام الرازي في فوائده بسند يعتد به في المناقب عن ابن عمر قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة شفعت لابي وأمي وعمي أبي طالب واخ لي
كان في الجاهلية”
نقله الرافضي زين الدين العسكري
في كتابه أبو طالب حامي الرسول ص118-.
قلت : وكيف يكون هذا السند معتداً به وقد قال تمام نفسه بعد إخراجه لهذا
الحديث (3/12) :”الوليد بن سلمة منكر الحديث “.
أقول : فهذا تضعيفٌ شديد من تمام للخبر فكيف يقوى هذا الحديث الواهي على
معارضة حديثٍ في صحيح مسلم.
وقد بلغ العنت والهوس في بعض المتصوفة إلى أن ذهبوا إلى كفر من يقول بمتقضى
هذا الحديث الثابت في صحيح الإمام مسلم كما فعل وهبي سليمان غاوجي الحنفي في كتابه
الذي صنفه في ترجمة أبي حنيفة.
2) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل قال
قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر قال أبى أرانا معاذ قال فقال له حميد الطويل ما
تريد إلى هذا يا أبا محمد قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يا حميد وما أنت يا
حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت ما تريد إليه. رواه
أحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس به.
وهذا الحديث كما ترى فيه من إثبات الصفات ما يصيب الجهمي بالقشعريرة ،
ومعلومٌ ذلك القران الخبيث الذي انعقد بين التجهم والتصوف منذ أيام الغزالي وإلى يومنا
هذا.
هذا الحديث كما ترى مرويٌ بسند على شرط مسلم ومع ذلك لم يخجل شيخ الطريقة
الدرقاوية الشاذلية عبد الله ابن الصديق الغماري من إعلاله بقوله في فتح المعين ص20
:” وأقول : حماد بن سلمة وإن كان ثقة ، فله أوهام ، كما قال الذهبي ، ولم يخرج
له البخاري ” ووافقه على هذا الإعلال تلميذه الموتور حسن بن علي السقاف.
وأقول : احتمال الوهم هنا غير وارد لأنه من روايته عن أخص شيوخه وهو (
ثابت بن أسلم البناني )، وإنما وقعت الأوهام لحماد في غير روايته عن ثابت.
نقل ابن رجب في شرح العلل(2/43) عن مسلم في التمييز قوله :” وحماد
يعد عندهم إذا حدث عن غير ثابت كحديثه عن قتادة وأيوب ، وداود بن أبي هند ، والجريري
، ويحيى بن سعيد ، وعمرو بن دينار ، وأشباههم فإنه يخطئ في حديثهم كثيراً ، وغير حماد.
في هؤلاء أثبت عندهم ، كحماد بن زيد ، وعبد الوارث،ويزيد بن زريع
” – وهذه الأخطاء لا تخرج حديثه عن حيز الإحتجاج إن لم يخالف -.
هذه أمثلة عن الأحاديث التي ضعفها الجهمية والمتصوفة لحماد بن سلمة ولنأتي
الآن إلى ما احتجوا به من حديثه.
ثانياً : الأحاديث التي احتج بها المتصوفة لحماد بن سلمة:
1) عن أنس قال: كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويرقصون ويقولون محمد عبد صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقولون قالوا
يقولون محمد عبد صالح .
قلت : هذا الحديث يحتج به المتصوفة على جواز الرقص ، وهو عند أحمد من طريق
حماد عن ثابت عن أنس !! وليس له طريق غير هذا !!
فانظر – رحمني الله وإياك – كيف أنهم يضعفون حديثه في أبوي النبي صلى الله
عليه وسلم وبعض أحاديثه في الصفات فلما وافق حديثه هواهم احتجوا به !
فيلزمهم أحد أمرين إما تضعيف هذا الحديث مع تلك الأحاديث ، أو تصحيحها
جميعاً ، وأما صنيع المتصوفة فهو لعب تنفر منه الفطر السليمة.
وليس في هذا الحديث حجة للمتصوفة إذ أن رقص الأحباش راجعٌ إلى ما ألفوه
وأن هذا الأمر لا يخرم المروءة عندهم وأما بقية الصحابة فلم يقع ذلك منهم.
كما أن رقص الأحباش ليس فيه تكسر المخنثين ، ولم يصنعوه في المساجد مصحوباً
بالدفوف والغناء فإن هذا صنيع مخانيث الرجال لا عبادهم.
2) عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً أعمى أتى النبي e فقال: إني أصبت في بصري، فادع الله لي. قال:
“اذهب فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة،
يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري، اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد
بصري، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك”. فرد الله عليه بصره.
قلت : الزيادة الملونة بالأحمر هي موطن احتجاج المتصوفة بهذا الخبر إذ
أنهم يحتجون بها على أن هذا النوع من التوسل غير منقطع.
وهذه الزيادة انفرد بها حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة
عن عثمان بن حنيف -كما في تاريخ ابن أبي خيثمة على ما أفاد شيخ الإسلام في قاعدة جليلة
-، وقد خالفه شعبة بن الحجاج فروى هذا الحديث دون هذه الزيادة وحديثه عند أحمد
(4/138)، وقد روى هذا الحديث هشام الدستوائي وروح بن القاسم ولم يذكروا هذه الزيادة
أيضاً ، وحماد بن سلمة نفسه قد روى هذا الحديث
عنه جمع ولم يذكروا هذه الزيادة.
فقد روى النسائي في السنن الكبرى (9171) هذا الحديث من طريق محمد بن معمر
(وهو ثقة روى عن أبو داود والنسائي ) قال حدثنا حبان ( هو ابن هلال ثقة حافظ ) قال
حدثنا حماد أخبرنا أبو جعفر فذكره وفي آخره، ((اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي)).
قلت : و قد تابع مؤمل بن إسماعيل حبان بن هلان عند أحمد في المسند
(4/138) وروايته نحو من رواية شعبة ، وجميعهم لم يذكروا هذه الزيادة، ومع ذلك فقد صحح
عبد الله الغماري هذه الزيادة في رسالته التي صنفها في تصحيح حديث الأعمى.
فانظر – رحمني الله وإياك – إلى تناقض الصوفية كيف ردوا رواية حماد بن
سلمة عن أخص شيوخه وهو ثابت بن أسلم، ثم قبلوا زيادةً انفرد بها من دون الأكثر والأوثق
عن شيخٍ لم يعرف بملازمته _ وقد علمت ما في رواية حماد عن غير ثابت _ ولم يذكرها معظم
تلاميذه، ومعلوم أن باب القبول في الزيادات أضيق منه في الإنفرادات، وأحسب أنك أيها
القاريء اللبيب أنه قد تبين لك تناقض القوم وأنهم واقعون بـ(اللا منهجية) التي هي
(حقاً ) قنظرة (اللا دينية).
قال أحمد الغماري الصوفي الشاذلي في كتابه ( الأجوبة الصارفة ) ص61
:” وأما من قال المراد بهم الصوفية _ يعني الطائفة المنصورة _ فقوله باطل من جهة
، وإن كان حقا من جهة أخرى لأن لفظ الصوفية على الحقيقة ، والصوفية المتشبهة بهم والكذابين
المدعين ، بل الزنادقة الملحدين الذين بتصوفهم الكاذب مرقوا من كل الأديان ، وحتى من
الإنسانية وصاروا حيوانات لا دينية ، وما كان كذلك فلا يصح أن يريدهم النبي صلى الله
عليه وسلم ، ويخبر أنهم لا يزالون على الحق إلى قيام الساعة ، وفيهم الزنادقة والملاحدة
والكذابون الذين ليس منهم في الواقع ، مع عدم وجود ما يميزهم ويفرق بين أهل الصدق وأهل
الكذب منهم “.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم