حل إشكال في خبر ( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالنصارى أصحاب الكتب المهلهلة إسنادياً
يطعنون في القرآن بناءً على روايات مختلف فيها

فمن ذلك استدراج من الله ليفضحهم

حيث احتجوا بالرواية التالية

قال مسلم في صحيحه 3587- [24-1452] حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ
مِنَ الْقُرْآنِ : عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ ، بِخَمْسٍ
مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُنَّ
فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ.

فركزوا على لفظة ( وهن مما يقرأ من القرآن
)

وقالوا كيف سقطت ؟ والنبي صلىالله عليه
وسلم  مات وهي تقرأ

وقد تأول بعض الناس هذا الخبر بأن هناك
من كان يقرؤها ممن لم يبلغه النسخ فلما طبق علم النسخ الناس ترك الناس هذا

ولكن دعنا من هذا كله هذا خبر آحادي يرويه
مالك فقط عن عبد الله بن أبي بكر فقط

فكيف يطعن في المتواتر هو المصحف بخبر
واحد فقط

ثم العجيب أن مالكاً نفسه لا يصحح هذا
الخبر بل ترك العمل به وقال بالعمل بالثلاث رضعات فهو يرى حديث الباب معارض لما هو
أقوى منه ويعتبره وهماً

ولكن هل تعلم أن عدداً من أهل العلم حكموا
بشذوذ زيادة ( وهن مما يقرأ من القرآن ) لأن الحديث رواه اثنان من الثقات الأثبات بدون
هذه الزيادة الشاذة

قال أبو جعفر النحاس الإِمام الحافظ في
الناسخ والمنسوخ، عند ذكر النوع الرابع، قال: تنزل الآية وتتلى في القرآن، ثم تنسخ
فلا تتلى في  القرآن، ولا تثبت في الخط، ويكون
حكمها ثابتًا، وذكر من ذلك حديث ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا نقرأ: الشيخ والشيخة
… ثم ذكر حديث الباب وقال: فتنازع العلماء في هذا الحديث لما فيه من الإشكال، تركه
-أي ترك العمل به- مالك وهو راوي الحديث، ولم يروه عن عبد الله بن أبي بكر سواه، وقال:
رضعة واحدة تحرم، وأخذ بظاهر القرآن قال عز وجل: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
…} الآية، قال: وممن تركه أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وقالا: ثلاث رضعات لقول النبي
– صلى الله عليه وسلم -: لا تحرم المصة والمصتان.

قال أبو جعفر: وفي الحديث لفظة شديدة
الإِشكال، وهي قولها: فتوفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهن مما يقرأ من القرآن،
وقد قال: جلة أصحاب الحديث قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي
بكر فلم يذكر هذا فيه: هما القاسم بن محمَّد، ويحيى بن سعيد الأنصاري -يأتي بيان من
أخرج روايتيهما- قال: فأما قول من قال: إن هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله – صلى الله
عليه وسلم – فعظيم, لأنه لو كان مما يقرأ لكانت عائشة قد نبهت عليه، ولكان قد نقل إلينا
في المصاحف التي نقلها الجماعة الذين لا يجوز عليهم الغلط، وقد قال تعالى: {إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ولو كان بقي منه شيء لم ينقل
إلينا لجاز أن يكون مما لم ينقل ناسخًا لما نقل، فيبطل العمل بما نقل، ونعوذ بالله
من ذلك فإنه كفر. اهـ.”

ورواية يحيى بن سعيد التي أشار لها النحاس
في صحيح مسلم

قال مسلم في صحيحه 3588- [25-…] حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ
، عَنْ يَحْيَى ، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ
، تَقُولُ : وَهِيَ تَذْكُرُ الَّذِي يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ قَالَتْ عَمْرَةُ
: فَقَالَتْ : عَائِشَةُ ، نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ،
ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ.

3589- […] وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ
سَعِيدٍ ، قَالَ : أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ ،
بِمِثْلِهِ.

وأما رواية القاسم فقال ابن ماجه
1942- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ
، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ
: كَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ ، لاَ يُحَرِّمُ إِلاَّ
عَشْرُ رَضَعَاتٍ ، أَوْ خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ.

وقد أعل الطحاوي هذه اللفظة بنحو مما
أعلها النحاس

قال الطحاوي في بيان مشكل الآثار4566
– فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا،
[ص:490] حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: ” كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ
الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ
مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ” قَالَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ
عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ الْخَمْسِ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْقَاسِمَ
بْنَ مُحَمَّدٍ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ فَوْقَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،
لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى مَا رَوَى مِنْ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ
فَوْقَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا

4567 – كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
” نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: لَا يُحَرِّمُ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ
بَعْدَ ذَلِكَ: أَوْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ “

 4568 – وَكَمَا حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:
” أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، ثُمَّ أُنْزِلَ: خَمْسٌ
مَعْلُومَاتٌ ”  وَالْقَاسِمُ، وَيَحْيَى
أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمَا
فِي الْعِلْمِ؛ وَلِأَنَّ اثْنَيْنِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ وَاحِدٍ لَوْ كَانَ يُكَافِئُ
وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَكَيْفَ وَهُوَ يَقْصُرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ
حَدِيثَهُ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا رَوَى كَمَا رَوَى، لَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ
بِالْقُرْآنِ، وَأَنْ يُقْرَأَ بِهِ فِي الصَّلَوَاتِ كَمَا يُقْرَأُ فِيهَا سَائِرُ
الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ تَرَكُوا بَعْضَ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَكْتُبُوهُ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَحَاشَ لِلَّهِ
أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، أَوْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرُ مَا جَمَعَهُ
الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ
يَكُونَ مَا كَتَبُوهُ مَنْسُوخًا، وَمَا قَصَّرُوا عَنْهُ نَاسِخًا، فَيَرْتَفِعَ
فَرْضُ الْعَمَلِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْ قَائِلِيهِ، ثُمَّ
الْجِلَّةُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانُوا
فِي التَّحْرِيمِ بِقَلِيلِ الرَّضَاعِ وَبِكَثِيرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، مِنْهُمْ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ
اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

وهذا استدلال قوي على شذوذ اللفظة لأنها
لو كانت من القرآن حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم لما وجدنا عدداً من كبار قراء
الصحابة يخالف الخبر ويقول بأن قليل الرضاع وكثيره محرم كما روي عن علي وابن مسعود

فتأمل الجهلة كيف يتعلقون بقشة للطعن
في القرآن الذي تواتر ولا ينظرون في حال كتبهم المقدسة، ولعل هذا الاختلاف هو سبب
عدم تخريج البخاري للحديث وأما مسلم فخرج رواية مالك وأتبعها بالرواية الأصح منها
تنبيها

هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم