قال ابن قدامة في المغني (4/131) :” ( 1308 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَلِنَفْسِهِ ، وَالْحَاضِرِينَ
، وَإِنْ دَعَا لِسُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاحِ فَحَسَنٌ .
وَقَدْ رَوَى ضَبَّةُ بْنُ مُحَصِّنٍ ، أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ إذَا
خَطَبَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لِعُمَرَ ، وَأَبِي بَكْرٍ .
وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ضَبَّةُ الْبِدَايَةَ بِعُمَرَ قَبْلَ الدُّعَاءِ
لِأَبِي بَكْرٍ ، وَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ ، فَقَالَ لِضَبَّةَ : أَنْتَ أَوْثَقُ
مِنْهُ وَأَرْشَدُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَطَاءً قَالَ
: هُوَ مُحَدِّثٌ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِعْلَ الصَّحَابَةِ لَهُ ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ
عَطَاءٍ ؛ وَلِأَنَّ سُلْطَانَ الْمُسْلِمِينَ إذَا صَلَحَ كَانَ فِيهِ صَلَاحٌ لَهُمْ
، فَفِي الدُّعَاءِ لَهُ دُعَاءٌ لَهُمْ ، وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ
“
فهنا ابن قدامة يرى استحباب ذلك وحجته أثرية ونظرية
أما الأثرية ففي أثر أبي موسى _ رضي الله عنه _
وأثر أبي موسى رواه أبو الحسين ابن بشران في فوائده (53) حدثني فرات بن
السائب، عن ميمون بن مهران، عن ضبة بن محصن العنزي قال: كان علينا أبو موسى أميرا بالبصرة،
فكان إذا خطبنا حمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو
لعمر رضي الله عنه قال: فأغاظني ذلك منه، فقمت إليه فقلت له: أين أنت عن صاحبه تفضله
عليه قال: فصنع ذلك ثلاث جمع، ثم كتب إلى عمر رضي الله عنه يشكوني ويقول: إن ضبة بن
محصن العنزي يتعرض لي في خطبتي، فكتب إليه عمر أن أشخصه إلي قال: فأشخصني إليه فقدمت
على عمر، فضربت عليه الباب فخرج إلي فقال: من أنت؟ قال: أنا ضبة بن محصن العنزي قال:
فلا مرحبا ولا أهلا، قال: قلت: أما المرحب فمن الله تعالى، وأما الأهل فلا أهل لي ولا
مال، فيم استحللت يا عمر إشخاصي من مصري بلا ذنب أذنبته؟ قال: وما الذي شجر بينك وبين
عاملك؟ قال: قلت: الآن أخبرك يا أمير المؤمنين، كان إذا خطبنا فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يدعو لك، فأغاظني ذلك منه قال: فقمت إليه وقلت:
له أين أنت عن صاحبه تفضله عليه، فصنع ذلك ثلاث جمع، ثم كتب إليك يشكوني قال: / فاندفع
عمر رضي الله عنه باكيا، فجعلت أرثي له ثم قال: أنت والله أوثق منه وأرشد، فهل أنت
غافر لي ذنبي يغفر الله لك؟ قال: قلت: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، ثم اندفع باكيا
وهو يقول: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عُمُر عُمَر، هل لك أن أحدثك بليلته
ويومه؟ قال: قلت: نعم يا أمير المؤمنين قال: أما ليلته فلما خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم هاربا من أهل مكة خرج ليلا فتبعه أبو بكر رضي الله عنه، فجعل يمشي مرة أمامه
ومرة خلفه، ومرة عن يمينه ومرة عن يساره قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا من فعلك؟. قال: يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك،
وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك لا آمن عليك، فمشى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه، فلما رآها أبو بكر أنها
حفيت حمله على عاتقه، وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار فأنزله، ثم قال: والذي بعثك
بالحق لا تدخل حتى أدخله، فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك، فدخل فلم ير شيئا فحمله وكان
في الغار خرق فيه حيات وأفاعي، فخشي أبو بكر رضي الله عنه أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن تضربنه أو تلسعنه الحيات والأفاعي، وجعلت
دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا،
فأنزل الله سكينته (الا ؟) طمأنينة لأبي بكر، فهذه ليلته، وأما يومه فلما توفي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم: نزكي
ولا نصلي، فأتيته ولا آلوه نصحا فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم، فقال:
جبار في الجاهلية خوار في الإسلام! فبماذا أتألفهم أبشعر مفتعل أم بشعر مفترى! قبض
النبي صلى الله عليه وسلم وارتفع الوحي، والله لو منعوني عقالا مما كانوا يعطون رسول
الله لقاتلتهم عليه قال: فقاتلنا معه، فكان والله رشيد الأمر، فهذا يومه. وكتب إلى
أبي موسى يلومه.
فرات بن السائب متروك وهذا الخبر على طوله منكر وفيه ألفاظ غريبة
وأما النظرية أن في صلاح الأمير صلاح الناس
والمخالف له يجيب بأن السلف أولى بكل خير
قال الشاطبي في الاعتصام (1/36) :” وَتَارَةً نُسِبْتُ إِلَى الرَّفْضِ
وَبُغْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، بِسَبَبِ أَنِّي لَمْ أَلْتَزِمْ ذِكْرَ
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْهُمْ فِي الْخُطْبَةِ عَلَى الْخُصُوصِ، إِذْ لَمْ
يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ السَّلَفِ فِي خُطَبِهِمْ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ
الْمُعْتَبَرِينَ فِي أَجْزَاءِ الْخُطَبِ: وَقَدْ سُئِلَ (أَصْبَغُ) عَنْ دُعَاءِ
الْخَطِيبِ لِلْخُلَفَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ؟ فَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ وَلَا يَنْبَغِي
الْعَمَلُ بِهِ، وَأَحْسَنُهُ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً.
قِيلَ لَهُ: فَدُعَاؤُهُ لِلْغُزَاةِ وَالْمُرَابِطِينَ؟ قَالَ: مَا أَرَى
بِهِ بَأْسًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَصْمُدُ
لَهُ فِي خُطْبَتِهِ دَائِمًا، فَإِنِّي أَكْرَهُ ذَلِكَ.
وَنَصَّ أَيْضًا عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ
لِلْخُلَفَاءِ فِي الْخُطْبَةِ بِدْعَةٌ غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ”
وقال الجهضمي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 74 – حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة قال : ثنا حسين بن علي ، عن جعفر بن برقان قال : كتب عمر بن عبد العزيز
: « أما بعد ، فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن الناس من القصاص
قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي ، فإذا جاءك كتابي
هذا ، فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ، ويدعوا ما سوى ذلك
»
وهذا يشمل خطبة الجمعة وما سواها ، وأما الترضي على الخلفاء الأربعة فاستحبه
بعض أهل العلم لمغايضة الرافضة وبحثنا في الدعاء للأمراء الموجودين
على أن الدعاء للأمير بالصلاح سنة ماضية ولا شك ، ولكن البحث هنا في التزامها
في خطبة الجمعة وهذا ما أنكره جماعة من أهل العلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم