حكم الاستغاثة بالمخلوق عند السلف (كفر أوضح من الشمس)
الاستغاثة بالمخلوق وطلب المدد منه مسألة حدثت عند المتأخرين غير أن في كلام السلف ما يشير إلى حكم هذه المسألة أثناء ردهم على الجهمية.
روى الخلال في السند بسند صحيح عن الإمام أحمد أنه قال: “فالقرآن من علم الله، ألا تراه يقول: {علم القرآن}، والقرآن فيه أسماء الله عز وجل، أي شيء تقولون؟ ألا تقولون إن أسماء الله عز وجل غير مخلوقة؟ من زعم أن أسماء الله عز وجل مخلوقة فقد كفر، لم يزل الله عز وجل قديرا عليما عزيزا حكيما سميعا بصيرا، لسنا نشك أن أسماء الله ليست بمخلوقة، ولسنا نشك أن علم الله تبارك وتعالى ليس بمخلوق، وهو كلام الله عز وجل، ولم يزل الله عز وجل حكيما”. ثم قال أبو عبد الله: “وأي كفر أبين من هذا وأي كفر أكفر من هذا؟
إذا زعموا أن القرآن مخلوق، فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة، وأن علم الله مخلوق، ولكن الناس يتهاونون بهذا ويقولون: إنما يقولون القرآن مخلوق، فيتهاونون ويظنون أنه هين ولا يدرون ما فيه من الكفر. قال: فأنا أكره أن أبوح بهذا لكل أحد، وهم يسألوني، فأقول: إني أكره الكلام في هذا، فبلغني أنهم يدعون علي أني أمسك”.
قلت لأبي عبد الله: فمن قال القرآن مخلوق، فقال: لا أقول أسماء الله مخلوقة، ولا علمه، ولم يزد على هذا، أقول: هو كافر؟ فقال: هكذا هو عندنا.
وقال اللالكائي في السنة: “352 – ذكره عبد الرحمن، حدثنا أحمد بن سلمة قال: حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أفضوا إلى أن قالوا: أسماء الله مخلوقة؛ لأنه كان ولا اسم، وهذا الكفر المحض لأن لله الأسماء الحسنى، فمن فرق بين الله وبين أسمائه وبين علمه ومشيئته فجعل ذلك مخلوقا كله والله خالقها؛ فقد كفر، ولله عز وجل تسعة وتسعون اسما، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله، ولقد تكلم بعض من ينسب إلى جهم بالأمر العظيم فقال: لو قلت: إن للرب تسعة وتسعين اسما لعبدت تسعة وتسعين إلها، حتى إنه قال: إني لا أعبد الله الواحد والصمد، إنما أعبد المراد به. فأي كلام أشد فرية وأعظم من هذا أن ينطق الرجل أن يقول: لا أعبد الله؟”.
وروى أيضًا عن خلف بن هشام البزار أنه قال: “فمن زعم أن أسماء الله مخلوقة فهو كافر، وكفره عندي أوضح من هذه الشمس”.
وكذلك روي هذا المعنى عن الإمام الشافعي.
فإن قال قائل: ما علاقة قول الجهمية بأن أسماء الله مخلوقة بمسألة طلب المدد من الأموات؟
فيقال: أحد أهم براهين السلف على تكفير القائل بهذه المقالة أنه سيدعو مخلوقًا عنده، ولهذا لما جمع الإمام أحمد الآيات التي يستدل بها في الرد على الجهمية أورد هذه الآيات -وهو كتاب صحيح عنه-:
1- قوله تعالى: {جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق}.
2- قوله تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}.
3- قوله تعالى: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور}.
4- قوله تعالى: {وما يتذكر إلا من ينيب * فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون}.
5- قوله تعالى: {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين}.
ولا وجه لإيرادها في الرد على الجهمية سوى تبكيت الجهمية بأنهم يدعون غير الله لأنهم يقولون الأسماء مخلوقة والاسم غير المسمى.
وقد أشار ابن تيمية لهذا الإلزام في رده على البكري وما تنبه له كثيرون، فإذا كان هذا قولهم فيمن دعا اسم الله وقال هو مخلوق فما بالك بمن يدعو مخلوقًا مباشرةً كما يدعو الله.
وقد ذكر الشيخ شمس الأفغاني في كتابه عن الماتردية أن عددًا من الماتردية قالوا بأن أسماء الله مخلوقة وهذا يبين لك اتصال الانحرافات ببعضها البعض وأن الانحراف في باب الصفات يؤدي إن اتسق صاحبه مع أصوله إلى الشرك في الألوهية.
ولهذا قال ابن تيمية في التسعينية وهو يتكلم عن أشاعرة عصره وقد فتن كثير منهم بفتنة القبور (3/ 797): “والشرك الذي ذكره الله في كتابه، إنما هو عبادة غيره من المخلوقات كعبادة الملائكة أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم أو قبورهم، أو غيرهم من الآدميين، ونحو ذلك مما هو كثير في هؤلاء الجهمية [يقصد الأشاعرة المتأخرين] ونحوهم ممن يزعم أنه محقق في التوحيد، وهو من أعظم الناس إشراكًا”.