فهذه خاطرة يسيرة أسأل الله أن ينفع بها
الناس اليوم مولعون بعكس الأمور ، والولوغ في التناقضات إلا من رحم ربك
فتجد من يقول ( السلف كانوا شديدين لأن السنة كانت ظاهرة )
ولو عكس الكلمة لكان الكلام صحيحاً ( السنة كانت ظاهرة لأن السلف كانوا
شديدين )!
فإن المنكر إنما يخمل ويضمحل بشدة إنكاره إذا كان عظيماً ، ولا يعظم إلا
بتقاعس أهل الحق ، أو التهوين من شأنه إذ أن لكل مقام مقالاً
وهذا ابن حزم مع شدته الخارجة عن الحد ، افتتن خلق من الناس بكثير من أخطائه
فضلاً عما أصاب فيه ذلك مع انحرافه البين في العقيدة ، فلم لم تحل شدته دون انتشار
كلامه ( تأمل هذا جيداً )
وتجد من يرى أنك إذا ضعفت أحاديث صححها عالم معتبر فإنك تفتح الباب للطعن
فيه ، وتجده في مسألة عقدية واحدة يخالف عبد الله بن أحمد وأبا داود والمروذي وعامة
السلف وشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وأئمة الدعوة وهذه المسألة مما طنطن حوله الكوثري
والحبشي وحسن المالكي وحسن السقاف ، ولا يرى نفسه قد فتح باباً لأحد !
وتجد من يقول بالانتخابات ويرى أن سبق بعض المفتين المعاصرين له مما يدرأ
أي اعتراض عليه لأنه يلزم من الطعن فيه الطعن فيهم ! ، ويثرب على مخالفه في مسألة سبقه
إليها سفيان ومالك والأوزاعي وابن المبارك والإمام أحمد وعامة السلف وبعض المعاصرين
!
ويعترض عليك إذا وافقت بعض أهل البدع في مسألة أنت إنما وافقت فيها السلف
ولا يترك الحق من أجل أن تكلم به رجل غير محبوب عندنا ، ولا ينظر إلى نفسه في عين هذه
المسألة أن قوله قريب أو موافق لقول الكوثري والسقاف والمالكي والحبشي وعوامة وأبي
غدة ! ، فإن قال لا يضرني موافقة هؤلاء أو بعض موافقتهم لأنني ما قصدت موافقتهم وإنما
وافقت علماء أوقرهم أنا وتوقرهم أنت
فهل يضرني أنا موافقة من وافقت وقد وافقت أئمة السلف ؟!
وقس على هذا شيء كثير والله المستعان نسأل الله أن يرزقنا الإنصاف فما
أعزه هذه الأيام
ومن هذا باب ما يذكره بعض المولعين بالموازنات من أن الداعية فلان له حسنات
وله جهود فإذا تأملت فيها فإذا هي من أعظم سيئاته
فمجرد الدعوة للإسلام لا تحمد حتى تكون على منهاج النبوة
فكثير من الدعاة حالوا بين الناس وبين العلم النافع بالقصص ، وكثير منهم
أهملوا التوحيد والعقيدة أو جعلوه ثانوياً وجعلوا الأصل في دعوتهم الدعوة للفضائل
فهذه مثلبة وليست منقبة إذ أن هذا منهج بدعي وهم بهذا إن أخرجوا من المعاصي
أخرجوهم إلى البدعة فمن إلى الأشر
قال أبو نعيم في الحلية (2/287) : حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ،
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَطَّالٍ، قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى،
قَالَ: ثنا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ:
«مَا أَمَاتَ الْعِلْمَ إِلَّا الْقُصَّاصُ يُجَالِسُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْقَاصَّ
سَنَةً فَلَا يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَيَجْلِسُ إِلَى الْعَالِمِ فَلَا يَقُومُ
حَتَّى يَتَعَلَّقَ مِنْهُ بِشَيْءٍ»
والقصاص هم الوعاظ ، فانظر إلى الرجل الجليل بفقهه أبصر أن ما يراه بعض
الناس دعوةً للإسلام أو للاستقامة في حقيقة الأمر إماتة للعلم وإشغال للناس عن الفاضل
بالمفضول ، فتأمل هذا الفقه فما أنفعه اليوم
والمتأمل لأحوال من يسمون أنفسهم ب( الدعاة ) اليوم يجد أنهم مع كل ما
لهم من الانتشار في القنوات التلفزيونية ، ومواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت
حتى أن الشريحة التي تصلها دعوتهم تبلغ الملايين يجد شحاً ظاهراً في باب العقيدة بل
صداً بيناً
فتجد محمد حسان يثني على الأزهر المبني على القبور ، مع قوله ( لا يوجد
قبور )! فبمجموع الأمرين ماذا يحصل ؟!
سوى الهدم المبين لدعوة الأنبياء والمرسلين
وبعضهم يعتذر لهم فإذا تأملت في العذر وجدته توكيداً لقيام الحجة عليهم
!
فترى من يمتدح بعضهم بأنه دافع عن العقيدة أو أنه دكتور في العقيدة
وهذا أبلغ في قيام الحجة عليهم فإن رجلاً متخصصاً في العقيدة كسفر الحوالي
عندما يطالب بالسماح للروافض ببناء مدارس خاصة بهم أو يثني على الديمقراطية ، دفاعه
عن العقيدة أو تخصصه فيها يجعله أبعد عن العذر
ورجل كسلمان العودة عندما يثني على السويدان والجفري وعدنان إبراهيم ،
فلا عذر له لأنه لا يجهل العقيدة ولا يجهل مثل مخالفات هؤلاء ، ولو أثنى على هؤلاء
رجل من عوام الموحدين في المملكة لعتبت وقلت له ( أنت من بلاد التوحيد كيف تثني على هؤلاء ) ؟
فكيف إذا كان هذا المثني رجل معدود
من كبار الدعاة تلاميذه دكاترة !
وعندما يصنف العريفي كتيبه ( اركب معنا ) ويذكر فيه القبور في مصر ويذكر
أن الأزهر في قبوراً في سياق الذم والتألم على التوحيد ( وحق له ذلك ) ، عندما يأتي بعدها
ويثني على الجامع الأزهر بل ويجتمع بشيخ الأزهر ويثني عليه فما عذره وهو متخصص في العقيدة
! ولا يمكن التهاون في أمر الشرك والتوحيد بحال
وعندما يصنف محمد حسان كتاباً في حقيقة التوحيد ، فإنه لا عذر له إذا جاء
بعدها وأثنى على الأزهر وجامعهم الذي يصلون فيه مبني على القبور
وعائض القرني عندما وقع في معاوية اعتذر بأنه ألقى محاضرات كثيرة في فضل معاوية
، وهذا عذر أقبح من ذنب فإذا كنت تعلم فضله فكيف صدقت تلك الرواية متناً ! ، وكيف لم
تنظر في سندها وأنت الحاصل على الشهادة العالمية ( الدكتوراة ) في علم الحديث
وإذا انتقدت المغامسي في ثنائه على دعاة الشرك كالشعراوي والبوطي اعتذروا
لك بأنه مشتغل بتفسير القرآن ويا ليت شعري القرآن من أوله إلى آخره توحيد يوجب لك النفرة
من كل داعية بدعة وشرك
وعلى هذا قس أحوال القوم ترى عجباً
وبعض الناس يحمدون له الرد على الخرافيين فإذا تأملت ردوده وجدته جانحاً
إلى العقلانية الاعتزالية فهذا يكون رد باطلاً بباطل فلا يحتفى به احتفاءً يدخل باطله
على أهل الحق
كالمرجيء يرد على المعتزلة ، وكالظاهري يرد على أهل الرأي
والذهبي لما ترجم للرافضي ابن خراش جعل سعة علمه سبباً في تكفيره وعدم
إعذاره ، وأما اليوم فسعة العلم عذر على كل حال !
وقال البخاري في صحيحه 4045 – حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ قُتِلَ
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ
بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ وَقُتِلَ
حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ
قَالَ أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا
عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ
فهذا الصحابي يخشى أن تكون حسناته قد عجلت له ، وأما هؤلاء مع كل ما أصابوه
من الدنيا من دعوتهم ، يصيرون سيئاتهم حسنات ، ثم يجادلون بها لئلا يرجعوا عن أخطائهم
البينة
اللهم ثبتنا على الإسلام والسنة إلى أن نلقاك إنك ولي ذلك والقادر عليه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم