هناك حساب من نوع آخر وهذا إجماع الزمان في الدنيا يحسب بالليل والنهار ولكن قبل الدنيا وقبل الشمس والقمر
قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل :” كما قال تعالى {وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [هود: 7] وخلق ذلك في مدة غير مقدار حركة الشمس والقمر، كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.
والشمس والقمر هما من السماوات والأرض، وحركتهما بعد خلقهما، والزمان المقدر بحركتهما ـ وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما ـ إنما حدث بعد خلقهما، وقد أخبر الله أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فتلك الأيام مدة وزمان مقدر بحركة أخري غير حركة الشمس والقمر”
وقد وردت الإشارة إلى هذا المعنى في قوله تعالى : ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)
وكثير من الناس يخلطون بين مدة خلق الدنيا وعمر الدنيا فمدة صنع الشيء أو خلقه ثابتة فلو بنيت بيتاً في شهر فبعد أربعين سنة من بنائه لو سألتني في كم بنيته سأقول لك بينته في شهر وعمره أربعين سنة ولو سألتني بعد خمسين سنة سأقول بنيته في شهر وعمره خمسين سنة
إذا فهمت هذا فاعلم أن الزمان في الجنة من هذا الجنس له طرق مختلفة وحركات أخرى غير حركة الشمس والقمر تتعلق به
قال أبو نعيم في صفة الجنة 219 – حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا خَلِيلُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، حَدَّثَنِي جَدِّي تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ , عَنِ الضَّحَّاكِ، {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] قَالَ: ” جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ سَاعَاتٍ تَدُورُ كَمَا تَدُورُ أَيَّامُ الدُّنْيَا فِي غَيْرِ شَمْسٍ، وَلَا قَمَرٍ، وَلَا لَيْلٍ، وَلَا نَهَارٍ إِلَّا نُورَ الْآخِرَةِ، وَجَعَلَ فِيهَا الْبُكْرَةَ، وَالْمَقِيلَ، وَالْعَشِيَّ؛ لِأَنَّ الْبُكْرَةَ وَالْمَقِيلَ وَالْعَشِيَّ أَلَذُّ مَا يَكُونُ النَّاسُ، فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُشَهِّيَ أَوْلِيَاءَهُ وَيُلَذِّذَهُمْ بِالرِّزْقِ لِيَأْتِيَهُمْ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً
وقال ابن حجر في فتح الباري :” وقد وقع في خبر ضعيف “إن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى، فإذا نشرت كانت علامة البكور، وإذا طويت كانت علامة العشي”
وهذا على ضعفه على القياس وفي معنى خبر الضحاك إذا فهمت هذا أمكنك أن تفهم وجود الأيام في الجنة كما ورد في بعض الأحاديث
قال المروذي في كتابه النفيس أخبار الشيوخ وأخلاقهم 310_ سمعت أبا عبد الله _ يعني أحمد ابن حنبل _ يقول : كانوا عند أنس قبل طلوع الشمس ، فقال : هكذا نهار الجنة .
وذكر أحمد لهذا الخبر يدل على أنه يصححه
قال أبو نعيم في صفة الجنة 212 – حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:، خَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو الْعَالِيَةِ، مُتَوَجِّهَيْنِ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمَّا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَظَرَ أَبُو الْعَالِيَةِ إِلَى السَّمَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَالَ: هَكَذَا نَهَارُ الْجَنَّةِ
وأسنده المروذي في أخبار الشيوخ عن أبي العالية موقوفاً عليه ، ولعل الصواب رواية قتيبة عن أبي بكر لاعتماد أحمد عليها
وهذا الأثر عن أنس فاتني في الصحيح المسند من أخبار أنس
وشاهد هذا الأثر في القرآن قوله تعالى ( لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا)
وهذه الساعة من الفجر ساعة نسيمها عليل لا يكدرها إلا شدة البرد أو طلوع الشمس فنفى الأمرين في الآية ، نسأل الله العظيم من فضله ، وأن يجعلنا من أهل اليقظة الذين يذكرهم كل ما حولهم بعظمة الله عز وجل ويعظهم في مآلاتهم