قال الإمام أحمد في مسنده 17170 – حَدَّثَنَا
عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ، كَانَ يُعَدُّ فِي
الْبُدَلَاءِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ،
عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، أَنْ
يَعْمَلَ بِهِنَّ، وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ،
وَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ
كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ، وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا
بِهِنَّ، فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُنَّ، وَإِمَّا أَنْ أُبَلِّغَهُنَّ. فَقَالَ: يَا
أَخِي، إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ أَوْ يُخْسَفَ بِي “.
قَالَ: ” فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ، فَحَمِدَ اللَّهَ،
وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِخَمْسِ
كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ. أَوَّلُهُنَّ:
أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ
مَثَلُ [ص:405] رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ
ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَعْمَلُ، وَيُؤَدِّي غَلَّتَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ،
فَأَيُّكُمْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، فَاعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَآمُرُكُمْ
بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ
مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا. وَآمُرُكُمْ
بِالصِّيَامِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ
فِي عِصَابَةٍ كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ، وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ
عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ،
فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ، فَشَدُّوا يَدَيْهِ
إِلَى عُنُقِهِ، وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ
أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ؟ فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ
وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ. وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
كَثِيرًا، وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا
فِي أَثَرِهِ، فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا، فَتَحَصَّنَ فِيهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ
أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ ” [ص:406] قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ” وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: بِالْجَمَاعَةِ،
وَالسَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ
الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى
الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ ” قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: «وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى،
وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا
سَمَّاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ»
موطن الشاهد آخر الحديث (وَمَنْ دَعَا
بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ ” قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: «وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ
صَلَّى، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ
بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)
فإن قيل : ما هي دعوة الجاهلية التي حذر
منها النبي صلى الله عليه وسلم
قلت : هي التفريق بين المسلمين والولاء
والبراء الضيق على غير أساس شرعي ، كما قال في الحديث ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين
أظهركم ) لما قال القائل ( يا للمهاجرين ويا للأنصار )
مع أن اسم المهاجرين والأنصار من الأسماء
الشرعية ولكنها لما استخدمت في مثل هذا السياق الذي يكون فيه الولاء على غير أساس
التقوى وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها دعوى جاهلية
ومن أمثلة ذلك العصبية القبلية والثناء
على أبناء القبيلة برهم وفاجرهم وأن يأبى أن تقال في أحد منهم كلمة الحق وبذل الولاء لهم أكثر من غيرهم ولا شك أن هذا
كله من أخلاق الجاهلية والواجب على أن المسلم أن يكون ولاؤه وبراؤه مرتبطاً بتقوى
الله فالأعجمي التقي له من الولاء ما ليس لابن عمك الفاجر
قال ابن أبي شيبة في المصنف 38341- حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ سَهْلٍ أَبِي الأَسَدِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ،
قَالَ : مَنْ قَالَ يَا آلَ بَنِي فَُلاَنٍ ، فَإِنَّمَا يَدْعُو إِلَى جُثَا
النَّارِ.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 38344- حَدَّثَنَا
شَرِيكٌ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّ رَجُلاً ، قَالَ : يَا
لَضَبَّة ، قَالَ : فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ ، قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ
عَاقِبْهُ ، أَوَ قَالَ : أَدِّبْهُ ، فَإِنَّ ضَبَّةَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُمْ
سُوءًا قَطُّ وَلَمْ يَجُرَّ إلَيْهِمْ خَيْرًا قَطُّ.
والشعبي لم يدرك عمر غير أنه يحتمل في مثل
هذا
ومن دعوى الجاهلية تحزب الناس في تشجيع
فرق كرة القدم ، وهذا من أسخفها إذ أن هذا المشجع المبغض لمخالفه المتمني له الشر
لا يناله فائدة دنيوية من هذا
وقد ظهر شيء من هذا في زمن ابن تيمية
فاعتبره من التحزب المحرم
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/415)
:” وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله مثل أن
يقال للرجل أنت شكيلي أو قرفندي فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان
وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ولا في الآثار المعروفة عن
سلف الأئمة لا شكيلي ولا قرفندي والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك أن يقول لا أنا
شكيلي ولا قرفندي بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله
وقد روينا عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل
عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فقال انت على ملة علي أو ملة عثمان فقال لست على
ملة علي ولا على ملة عثمان بل أنا على ملة رسول الله وكذلك كان كل من السلف يقولون
كل هذه الاهواء في النار ويقول أحدهم ما أبالي أي النعمتين أعظم على أن هداني الله
للإسلام أو أن جنبني هذه الأهواء والله تعالى قد سمانا في القرآن المسلمين
المؤمنين عباد الله فلا نعدل عن الأسماء التي سمانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم
وسموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان “
ويضاعف البلاء في مثل هذا إذا كان تحزباً
للكفار وللأندية التي تحفل بالصلبان وينفق ريعها للكنائس فإن هذا يجتمع فيه
محظوران عظيمان
الأول : دعوى الجاهلية
الثاني : الولاء للكفار بل بغض المسلم
ومعاداته من أجل سفيه كافر
ومن ذلك الدعوة إلى القومية العربية وإلى
الوطنية التي انتشرت اليوم
وحقيقة الدعوة الخبيثة التي يسمونها ( الوحدة
الوطنية ) أن توالي الرافضي من أهل بلدك أكثر من ولائك للمسلم أو السني في بلد آخر
وقد قال الله تعالى ( وجعلناكم شعوباً
وقبائل لتعارفوا )
ولم يقل
( لتفاخروا )
ومثل ذلك الدعوة إلى الأحزاب السياسية فإن
ذلك مع كونه من دعوى الجاهلية التي تحدث الفرقة بين المسلمين هي اقتتال على الملك
فإذا كان ذلك تحت مظلة الديمقراطية فقد تم الخسران
وأقبح ذلك ما يسمى بتعدد الجماعات الدعوية
وهي في حقيقتها تعدد للفرق الحزبية وهذه الدعوة جمعت بين كونها دعوى جاهلية وبين
كونها بدعة وضلالة ما كان عليها السلف مع قيام داعيها
وليعلم أن دعوى الجاهلية إنما جاء لها هذا
الذم العظيم لكونها تفرق بين المسلمين وتحدث الفتن ، والبدعة ينطبق عليها هذا مع
كونها تحريف للدين فالبدعة دعوى جاهلية وزيادة
فهذا الحديث شاهد لحبوط أعمال أهل البدع
الذي ذهب إليه الحسن وسفيان والفضيل بن عياض
فكيف إذا كانت البدعة في نفسها مكفرة
كإنكار العلو
فهل يصلح بعد هذا أن يقال في الداعي إلى
جهنم ( خدم الإسلام )!
وبقي أن نذكر حديثاً
قال البخاري في صحيحه 6882 – حَدَّثَنَا
أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ
حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ
مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ
فكل من دعا إلى شيء من الدعوات السابقة
فهو من أبغض الناس إلى الله ومن الدعاة على أبواب جهنم فاحذروهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم