جيش أرسلان الذي به غلب

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن كثير في البداية والنهاية (12/111) :” دخلت سنة ست وخمسين
وأربعمائة فيها قبض السلطان ألب أرسلان على وزير عمه عميد الملك الكندري، وسجنه ببيته
ثم أرسل إليه من قتله، واعتمد في الوزارة على نظام الملك، وكان وزير صدق، يكرم العلماء
والفقراء، ولما عصى الملك شهاب الدولة قتلمش (2)، وخرج عن الطاعة، وأراد أخذ ألب أرسلان،
خاف منه ألب أرسلان فقال له الوزير: أيها الملك لا تخف، فإني قد استدمت لك جندا ما
بارزوا عسكرا إلا كسروه، كائنا من كان.

قال له الملك: من هم ؟ قال: جند يدعون لك وينصرونك بالتوجه في صلواتهم
وخلواتهم، وهم العلماء والفقراء الصلحاء.

فطابت نفس الملك بذلك، فحين التقى مع قتلمش لم ينظره أن كسره، وقتل خلقا
من جنوده، وقتل قتلمش في المعركة، واجتمعت الكلمة على ألب أرسلان”

ونظام الملك هو الذي تنسب إليه المدارس النظامية ، وهو أول من بنى المدارس
للشافعية والأشاعرة وقد كان منهم وبه استعانوا في معركتهم مع أصحابه أبي يعلى فما تقرأه
من الثناء على عقيدته في بعض كتب التراجم فإنما انعكاس لعقيدة أولئك المؤرخين

وهذه القصة الجميلة فيها عبرة وربما تحاذق متحاذق وقال هذه دروشة وأين
الأخذ بالأسباب المادية

فيقال : مراعاة هذه الأسباب لا ينافي الأخذ بالأسباب المادية ، غير أن
الأسباب نفسها لا يوفق إليها إلا من وفقه الله عز وجل وما هي إلا أسباب والنصر بيد
الله

قال الله تعالى : ( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ
فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ
(125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)

وأعظم أركان القوة في كل جيش المحبة والتفاهم بين أبنائه ، والشجاعة والإقدام

قال الله تعالى : ( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِن حَسْبَكَ
اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

والشجاعة تستمد من مثل قوله تعالى : ( وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ
إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ
مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )

وقوله تعالى: ( قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ
بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ )

وقوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً
فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

وما أمر بذلك إلا لما له من الأثر في نفوس المؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب
الكافرين

وغيرها من النصوص ، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ما أهمل هذا
السلاح الماضي وهو سلاح الدعاء والالتجاء إلى الله عز وجل

قال البخاري في صحيحه 2915 – حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
فِي قُبَّةٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ
لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ
يَقُولُ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ
وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}

واعتبر ذلك بحال العرب قبل دخول الإسلام عليهم من الذل والهوان ، وما دخل
عليهم من العزة والرفعة بتوحيد الله عز وجل واتباع أمره ، ثم لما فارقوا سير الأولين
عادوا لحالهم القديمة والله المستعان

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (13/177) :”وَهَذَا الْجَعْدُ
إلَيْهِ يُنْسَبُ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَعْدِيُّ آخِرُ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ
وَكَانَ شُؤْمُهُ عَادَ عَلَيْهِ حَتَّى زَالَتْ الدَّوْلَةُ؛ فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ
الْبِدَعُ الَّتِي تُخَالِفُ دِينَ الرُّسُلِ انْتَقَمَ اللَّهُ مِمَّنْ خَالَفَ الرُّسُلَ
وَانْتَصَرَ لَهُمْ؛ وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَتْ الْمَلَاحِدَةُ الْبَاطِنِيَّةُ وَمَلَكُوا
الشَّامَ وَغَيْرَهَا ظَهَرَ فِيهَا النِّفَاقُ وَالزَّنْدَقَةُ الَّذِي هُوَ بَاطِنُ
أَمْرِهِمْ وَهُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ ” إنْكَارُ الصَّانِعِ وَإِنْكَارُ
عِبَادَتِهِ ” وَخِيَارُ مَا كَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِهِ الرَّفْضُ فَكَانَ خِيَارُهُمْ
وَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ الرَّافِضَةُ وَظَهَرَ بِسَبَبِهِمْ الرَّفْضُ وَالْإِلْحَادُ
حَتَّى كَانَ مَنْ كَانَ يَنْزِلُ الشَّامَ مِثْلُ بَنِي حَمْدَانَ الْغَالِيَةِ وَنَحْوِهِمْ
مُتَشَيِّعِينَ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي بويه فِي الْمَشْرِقِ”

بل يرى شيخ الإسلام أن سبب دخول التتر لبلاد المسلمين انتشار ضلال الفخر
الرازي وأشياعه عقوبة من الله

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (13/180) :” كان بعض المشايخ
يقول هولاكو ملك الترك التتار الذى قهر الخليفة بالعراق وقتل ببغداد مقتلة عظيمة جدا
يقال قتل منهم ألف ألف وكذلك قتل بحلب دار الملك حينئذ كان بعض الشيوخ يقول هو للمسلمين
بمنزلة بخت نصر لبنى اسرائيل

وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الالحاد والنفاق والبدع حتى
أنه صنف الرازى كتابا فى عبادة الكواكب والأصنام وعمل السحر سماه السر المكتوم فى السحر
ومخاطبة النجوم ويقال أنه صنفه لام السلطان علاء الدين محمد بن لكش بن جلال الدين خوارزم
شاه وكان من أعظم ملوك الأرض وكان للرازى به اتصال قوى حتى انه وصى اليه على أولاده
وصنف له كتابا سماه الرسالة العلائية فى الاختيارات السماوية”

وأنني لأخشى أن وجود أمثال طارق السويدان والقرضاوي وعدنان إبراهيم وأشياعهم
، وتأييد المؤيدين لهم سبب شر عظيم على هذه الأمة والله المستعان

فأن قيل : ما ذنب بقية الناس ؟

فيقال : قال مالك في الموطأ 1799 – و عن إسماعيل بن أبي حكيم انه سمع عمر
بن عبد العزيز يقول :كان يقال ان الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن
إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم .

فاستدفعوا عذاب الله عز وجل بالأخذ على أيدي هؤلاء بارك الله فيكم

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم