جواب النبي ﷺ الذي قطع الطريق على أهل النفاق
قال أحمد في مسنده: “9778 – حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، قال: أرى أبا صالح، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن فلانا يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق قال: «إنه سينهاه ما تقول»“.
أقول: هذا الجواب من النبي ﷺ قد يستغرب، وعامتنا لو سئل عمن حاله هذه فغالباً لن يكون جوابنا مطابقاً للجواب النبوي.
وما أحوجنا اليوم للتَّدبر في مثل هذا الجواب.
جرت عادة أهل النفاق في زماننا أنهم يتتبعون زلات الصالحين ويعممونها، فما أكثر ما تسمع منهم: (أعرف رجلاً ظاهره الالتزام ويفعل كذا وكذا) ومهما كان حال هذا الإنسان شاذاً في أهل الالتزام فإنه يحاول استخدام هذه الحالة ليجعلك تشك في كل ملتزم.
فإذا جاء لأهل الفجور الصريح؛ تجده يعكس الأمر ويبحث عن أحسن أحوالهم، فيقول لك: (أنا أعرف متبرجة وتتصدق وتفعل وتفعل، لا تدري أيهم إلى الله أقرب).
وغالباً من يطرح مثل هذا الطرح يكون متأثراً بمركزية الإنسان والعقلية الليبرالية؛ فأعظم الذنب عنده ما كان تعدياً على حقوق البشر وأما ما كان تفريطاً في حق الله عز وجل فذلك هين.
لهذا تراه يأتي إلى أعظم الحسنات وهي حسنة التوحيد والصلاة؛ ويحبطها بأدنى تعدٍّ في حقوق البشر وربما لا يكون تعدياً أصلاً.
ويأتي إلى ذنوب عظيمة كالتبرج، وهو ابتغاء سنة الجاهلية في الإسلام وأبغض الناس إلى الله ثلاثة: مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ويهون من شأن ذلك لأنه لا يرى فيه تعدياً في حق البشر.
وأما أمر الشرك والبدعة في المنتسبين للملة؛ فهذا أهون شيء عندهم وعند كثير من المنتسبين للعلم.
فجواب النبي ﷺ يقطع الطريق عليهم، فيلفت النظر إلى تعظيم حق الله عز وجل، وأن أولى الناس بأداء حقوق الناس من أدَّوا حق الله عز وجل، هذا الأصل وما خالفه خروج عن الأصل.
وفي جوابه قطع الطريق على المنافقين الذين يتبعون زلات المؤمنين ليُنفِّروا من التدين وأهله، فإذا قوبلوا بمثل طريقتهم قالوا: (دع الخلق للخالق) و(التعميم لغة الجهال)، مع أن الأمر يكون فيهم عاماً.
قال الترمذي في جامعه: “2032 – حدثنا يحيى بن أكثم، والجارود بن معاذ قالا: حدثنا الفضل بن موسى قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن أوفى بن دلهم، عن نافع، عن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك»“.
تأمل قوله: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه» وهذا حال أهل النفاق وسبب تتبعهم لعورات أهل الإيمان؛ ليُنفِّروا من التدين وليكسروا أهل الإيمان نفسياً حتى إذا أظهروا المنكرات لم يُنكِر عليهم المؤمنون.
ومن المفارقات أنهم يجاهرون بالمنكر وإذا أنكر عليهم شخص قالوا: (لا تتدخل في خصوصياتنا)، ثم هم يدخلون في نيات الناس وخفاياهم بالظن الباطل.