جرائم الشرف لها أبعاد أخرى

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

على خلفية حديثي عن جرائم الشرف كلمني بعض الأخوة من الشام قائلا :

أن هناك نساء اعتقلهن النظام وأثناء الاعتقال يعتدون عليهن ولا حول ولا قوة إلا بالله ( وما دام المعتدي عالمانيا فالأمر لا يستدعي هبة عالمية ولا جوائز نوبل كما حصل مع تلك اليزيدية المدعية وملالا محمد )

ولكن بعد خروجهن بمفاداة أو غيرها يفجعن بأن أهاليهن يتبرأون منهن لأنهم جاءهم الخبر بالاعتداء عليهن وبالتالي يعتبرونهن عارا مع أنهن كن مكرهات

قال تعالى : ( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

موطن الشاهد من الآية قوله ( إن أردن تحصنا) والإحصان هنا العفاف فدل على أن إكراههن لا ينافي كونهن عفيفات ثم الله عز وجل ختم الآية بذكر المغفرة والرحمة درءا لما يقع في نفوسهن ونفوس من عرفهن أن ما وقع لهن حتى في حال الإكراه أمر لا يغتفر أو لا يزول أثره

قال الطبري في تفسيره 11261- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: أن نبيشة، امرأة من همدان، بغت، فأرادت أن تذبح نفسها، قال: فأدركوها، فداووها فبرئت، فذكروا ذلك لعمر، فقال: انكحوها نكاح العفيفة المسلمة.

11262- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر: أن رجلا من أهل اليمن أصابت أخته فاحشة، فأمرت الشفرة على أوداجها، فأدركت، فدووي جرحها حتى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة، فقرأت القرآن ونسكت، حتى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلى عمها، وكان يكره أن يدلسها، ويكره أن يفشي على ابنة أخيه، فأتى عمر فذكر ذلك له، فقال عمر: لو أفشيت عليها لعاقبتك! إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه.

فإذا كان هذا قول عمر في امرأة فعلت الفاحشة طوعا ثم تابت وندمت غاية حتى بالغت وأرادت قتل نفسها فكيف بمن كانت مكرهة إكراها لا يصمد أمامه حتى الرجال

قال ابن تيمية في الاستقامة : ومن اسره العدو من المسلمات فزنوا بهن فإن منهم من يكون كارها لذلك تام الكراهة لا يفعل ذلك الا مكرها فهذا لا يستحق العقوبة .

وهنا تنبيه نحن نتكلم على الإكراه الذي يكون بالتعذيب أو الغصب وأما مجرد الترغيب والترهيب فلا يكون فيه إكراه إلا أن يكون منع طعام وشراب يحصل مع فقده الهلكة

قال ابن القيم في الطرق الحكمية : والعمل على هذا، لو اضطرت المرأة إلى طعام أو شراب عند رجل فمنعها إلا بنفسها، وخافت الهلاك، فمكنته من نفسها فلا حد عليها.
فإن قيل: فهل يجوز لها في هذه الحال أن تمكن من نفسها، أم يجب عليها أن تصبر ولو ماتت؟ قيل: هذه حكمها حكم المكرهة على الزنا، التي يقال لها: إن مكنت من نفسك، وإلا قتلتك. والمكرهة لا حد عليها، ولها أن تفتدي من القتل بذلك.
ولو صبرت لكان أفضل لها، ولا يجب عليها.

وأخيرا أقول لهؤلاء الأهالي الدم الذي يجري في عروقكم هو الذي يجري في عروقهن ولئن كُنتُم قصرتم في حماية نسائكم فليس الحل في التملص بعد ذلك فهذه خسة فإن قلتم إنما أكرهنا على ذلك فيقال : أفرأيتم لأنفسكم عذر بالإكراه ولَم تروا لهن ولا حول ولا قوة إلا بالله