جانب من العنصرية الداروينية

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

جاء في كتاب حضارة العرب لغوستاف لوبون ص601 :” حينما تلتقي المبتسرات الموروثة في العالم الفاضل ، ولا يدرى أيهما يعتمد في وزن الأمور ، يتجلى فيه ما يجتمع في شخص واحد من الذاتية القديمة التي هي وليدة الماضي ، والذاتية العصرية التي هي وليدة المشاهدة الشخصية ، فيصدر عنه من الآراء المتناقضة ما يستوقف النظر ، ومع ذلك التناقض المثال البارز الذي يجدها القاريء في الخطبة التي ألقاها الكاتب اللبق والعالم الفاضل مسيو رينان في السوربون عن الإسلام ، والتي أراد مسيو رينان أن يثبت فيها عجز العرب ، ولكن ترهاته كانت تنقض بما كان يجيء في الصفحة التي تليها ، فبعد أن قال مسيو رينان مثلاً : إن تقدم العلوم مدين للعرب وحدهم مدة ستمائة سنة ، وذكر أن عدم التسامح مما لم يعرفه الإسلام إلا أن حلت محل العرب شعوب متأخرة كالبربر والترك ، عاد فادعى أن الإسلام اضطهد العلم والفلسفة وقضى على العقل في البلاد التي دانت له بيد أن ناقداً بصيراً كمسيو رينان لا يستطيع أن ينام مدة طويلة على مثل ذلك الزعم المناقض لأوضح ما رواه التاريخ ، فذهبت عنه مبتسراته الموروثة ثانية ، ورجع يعترف بتأثير العرب في القرون الوسطى ، ويشهد بتقدم العلوم في بلاد الأندلس أيام سلطانهم ومن دواعي الأسف أن تغلبت على رينان مبتسراته غير الشاعرة بعد ذلك سريعاً ، فصار يزعم أن علماء العرب ليسوا عرباً بل من أبناء سمرقند وقرطبة واشبيلية مع أن الواقع أن تلك البلاد مما ملكه العرب ، أن الدم العربي مما جرى في عروق أبنائها ، وأن علوم العرب مما كان لها نصيب منه زمناً طويلاً ، وأنه إذا أبيح لأحد أن يجادل في الآثار التي صدرت عن مدارس العرب ، كان ذلك من من قبيل إباحته لنفسه أن يجادل في مؤلفات علماء فرنسا بحجة أنهم من الشعوب الكثيرة التي تألف منها مجموع الشعب الفرنسي كالنورمان والسلت والأكيتان ثم يظهر الكاتب الفاضل مسيو رينان أسيفا أحياناً على سوء رأيه في العرب ويصل إلى نتيجة غير المنتظرة الآتية التي تنم كذلك على ما بين ذاتية الإنسان القديمة وذاتيته العصرية من التنازع ويأسف على أنه ليس من أتباع النبي محمد فيقول : إنني لم أدخل مسجداً من غير أن أهتز خاشعاً ، أي من غير أن أشعر بشيء من الحسرة على أنني لست مسلماً ” أقول : رينان كان ينطلق من نظرته الداروينية أن الشعوب المتحضرة إذا غزت الشعوب غير المتحضرة فذلك ليس ظلماً فلا بد أن يزري على الشعوب التي استعمروها أو يرغبون باستعمارها لكي يبرر صنيع قومه وإجرامهم ولكن تغالبه الحقيقة وهذا الرجل وضعوا له تمثالاً في شمال بيروت ! العجيب أن هذا الكلام الذي قاله رينان وضاق به ذرعاً غوستاف لوبون يردده الكثير من دعاة العلمنة في بلادنا ومن تأثر بهم تأثراً جزئياً من العامة ، ولك أن تتخيل كيف أن كلام غلاة المستشرقين الذي كانوا يبررون به للامبريالية والاستعمار يصير هو الدارج بين المثقفين عندنا لذا انتشرت ثقافة جلد الذات وهذه لو لم تكن مدمرة ما حرص عدونا على بثها فينا ومخاطبة قومهم بها عنا ليرفعوا معنوياتهم في حربنا