هناك سؤال دائماً يُطرح في المجلات الأجنبية التي تُعنى بقضايا النساء والقضايا الاجتماعية، وهو: (هل تقبلين الارتباط برجل قبيح غني أم بفقير وسيم؟).
تتفاوت الأجوبة التي لا تعكس الحقيقة ضرورة.
اشتهرت فتاة في سنغافورة على برنامج (تيك توك) لأنها أجابت بأنها تفضل الفقير الوسيم، وأحدث جوابها جدلاً كثيراً، تعقبها كثيرات بأنها لو كانت أكبر سناً لتغير جوابها، وكثيرات تحدثن عن أن الشكل ليس كل شيء.
قد يرى كثيرون ألَّا شأن للقضايا الفكرية بهذا الجدل؛ ولكنك إن تدبرت لوجدت أن هذه الثنائية فيها كشف لكثير من الزيوف الفكرية المسيطرة على الخطاب النسوي.
وذلك بملاحظة عدة اعتبارات:
الأول: هذه الثنائية تستبطن أن الرجل عليه النفقة، لهذا دائماً يذكر أمر غناه، لأنه المطالب بالإنفاق على المرأة.
وهذا موجود في الشرع، غير أن الخطاب النسوي يتجاهل هذه الحقيقة أو يتظاهر بعدم وجودها لئلا يعترف بأن الرجل إذا طولب بالمال فيجب أن يقدَّم له شيء في المقابل، وهذا معنى القوامة.
فاليوم يوجد كلام كثير عن استقلال المرأة اقتصادياً، ولكن الأمر ليس واقعياً، بدليل أن هذه الأسئلة لا زالت تُسأل.
عامة النساء المتأثرات بالفكر النسوي -مع هجائهن المستمر للأدوار التقليدية- هن غير مستعدات للتنازل عن مكاسب المرأة التقليدية، لكن دون أن يقدمن ما تقدمه المرأة التقليدية.
هذا البلاء جعل نظام العالم يختل، وتتفكك الأسر، والجو مملوء بالاحتقان.
الثاني: هذه الثنائية تستبطن أننا لنحصل على شيء ينبغي أن نضحي بشيء، فإما أن نضحي بالمال أو نضحي بالوسامة.
وهذا وجه من وجوه قاعدة (الغنم بالغرم).
كثير من النساء إذا نظرن إلى الشرع فإنهن لا ينظرن إلى أنه تعامل مع الله -عز وجل- الذي أنعم علينا بكل شيء ومآلنا بين يديه سبحانه، وإنما ينظرن إلى ما يرينه قيوداً دون النظر إلى منافع الشرع. والأمر اختبار، فما يعتبرنه قيوداً فإنه ينبغي على كل مسلم أن يعلم أن فيه المصلحة، وإن لم توجد فيه مصلحة ففيه الثواب؛ ولكن رب العالمين لا يأمر إلا لحكمة.
فكما يفكر المرء بالتضحية بالمال أو الوسامة للحصول على شيء آخر أعظم في نظره، فعليه أن يضحي ببعض الشهوات لينال رضا الرحمن، وفي الشرع من المنافع الأمر العظيم ظاهراً وباطناً، خاب وخسر من ضيع كل هذا لشهوة عاجلة.
قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا} [الأحزاب].
وقال تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور].
الثالث: أن السؤال اختزالي ولكنه نجح في حبس المتلقي بين خيارين.
بمعنى أن الغنى والوسامة ليستا الصفتين الوحيدتين اللتين يُنظر إليهما، فهناك الاحترام والوفاء.
وعندنا اعتبار الدين، ومع ذلك هذا الاستفتاء أُخِذ من الكفار كما هو دون اعتبار للخصوصيات العقائدية والعرفية، وصار الناس عندنا يستنسخون أحوال الآخرين دون النظر إلى الفروق بيننا وبينهم.
وهناك اختزال في السؤال، ففي الواقع: “هل تتزوجين الغني القبيح؟” سؤال مختزل.
والواقع: أنه كلما زاد ثراء الإنسان تُحتَمل له صفات سيئة في عقلية كثيرات، مثل: الخيانة والوقاحة وغيرها، وهذا مُشاهد في كثير من أثرياء العالم الذين اشتهروا بسوء الخلق وسوء السلوك.
وحتى من لا يخترن حياتهن يعتبرن ما يفعلنه حرية أو صفقة ينبغي أن تحترم.
باختصار: هناك خطاب يصوِّر لك أن العالم قد تسامى على الفروق بين الجنسين، وأن عليك أن تخجل من أحكام شرعية بُنيت على ذلك، ولكن هذه الفروق تتنكر ثم تعود إليك بثوب آخر، وفي مضامينها أشد مما يزعمون أخذه على الأحكام الشرعية.