فينشر بعض الناس وصايا منسوبة للإمام مالك
الوصية الأولى : إذا جالست قوما فكن
أصمتهم، فإن أصابوا أصبت معهم، وإنَّ أخطئوا سلمت
أقول : وهذا لا أصل له عن مالك وإنما ذكره
صاحب زهر الأكم في الأمثال والحكم منسوباً لبعض الحكماء، وقد ذكره عن مالك تصديراً ب( يقال ) فلا يثق هو بصحتها وهو متأخر جاء بعد الألف
وهذه الوصية ليس على إطلاقها فإن المرء لا
يسلم بالسكوت على المنكر مطلقاً
قال الله تعالى : (وَإِذَا رَأَيْتَ
الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ
الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
فلو جلس معهم ساكتاً في هذه الحال يكون
آثماً إثماً عظيماً فإما أن ينكر وإما أن يفارق
وقال الله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ
عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا
وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ
وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)
الوصية الثانية : قال مالك :(أوصيك بوصية
أجمع لك فيها طب الأطباء: أن تضع يدك في الطعام وأنت تشتهيه، وترفع يدك عنه وأنت
تشتهيه.)
وهذه لا أصل لها عن مالك وإنما يروى بعض
معناه عن مالك بن دينار بسند فيه كذاب في الحلية لأبي نعيم( وذكره صاحب زهر الأكم )
وقال الخطيب في الفقيه والمتفقه 871 – أنا
الحسن بن الحسين النعالي ، أنا أحمد بن نصر بن عبد الله الذراع ، نا صدقة بن موسى
، نا أبي ، حدثنا الأصمعي ، قال : « جمع هارون الرشيد أربعة من الأطباء : عراقيا ،
وروميا ، وهنديا ، سواديا فقال : يصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء له ، فقال
له الرومي : الدواء الذي لا داء فيه : حب الرشاد الأبيض ، وقال الهندي : الدواء
الذي لا داء فيه : الماء الحار ، وقال العراقي : الدواء الذي لا داء فيه : الهليلج
الأسود ، والسوادي ساكت ، وكان أحذقهم فقيل له تكلم ، فقال : حب الرشاد : يولد
الرطوبة ، والماء الحار : يرخي المعدة ، والهليلج الأسود : يحرق المعدة ، قالوا له
: فأنت ما تقول ؟ فقال : الدواء الذي لا داء فيه أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه ،
وتقوم عنه وأنت تشتهيه » ومن أنفع ما استعمل إصلاح الغذاء ، واجتناب الأطعمة
الرديئة ، وتنقية الطبع من الأخلاط المفسدة
فهذا كلام منسوب لبعض الأطباء أو الخلفاء
ولا ناقة لمالك فيه ولا جمل
الوصية الثالثة : أوصى الإمامُ مالك أحدٓ
تلامذته فقال: أوصيك بوصية أجمع لك فيها فقه الفقهاء، إذا سُئلت عن شيء لا تعرفه
فقل لا أدري.
وهذه أيضاً لا أصل لها عن مالك
ولا أدري من أين يأتي هؤلاء بهذه الأمور
ويتركون الثابت أو على الأقل بسند عن مالك كالأخبار الواردة في الحلية
وفقه الفقهاء لا يدرك بمجرد علم المرء
بأنه لا يدري
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم